الثلاثاء   
   29 07 2025   
   4 صفر 1447   
   بيروت 23:27

كيف تتحول بيئة العمل إلى ساحة توتر مستمرة؟

تشهد بيئة العمل المكتبية تحولات جذرية مع صعود تقنيات الذكاء الاصطناعي، إذ أصبحت بعض المهام التي كانت تتطلب موظفين متخصصين تُنجز حالياً بواسطة أنظمة ذكية بكفاءة أعلى وتكلفة أقل.

يثير هذا التغيير السريع مخاوف واسعة بين الموظفين، الذين ينظرون إلى مستقبل وظائفهم بعين القلق، ويشعر كثير منهم بأنهم يقفون على أرض غير مستقرة، حيث قد يكون القرار القادم بإلغاء وظائفهم أو تقليص فرق عملهم بفعل الأتمتة.

هذه المخاوف دفعت العاملين في المكاتب إلى محاولة قراءة كل إشارة صادرة من إداراتهم، سواء كانت خطة هيكلية أو تصريحاً مقتضباً من المديرين، لفهم ما إذا كانت هناك موجة تسريح قادمة وما إذا كانوا هم ضمن القائمة المحتملة. ومن شأن هذا القلق المستمر أن يخلق حالة من الارتياب الجماعي، حيث يصبح التركيز على المستقبل المجهول أكثر من التركيز على الأداء الحالي أو الابتكار.

في ظل هذه الأجواء، يسعى بعض الموظفين إلى حماية مواقعهم عبر الاحتفاظ بمعلومات مهمة وعدم مشاركتها مع زملائهم، في محاولة ليصبحوا “لا غنى عنهم” بالنسبة للشركة. غير أن هذا السلوك الناتج عن الخوف يمكن أن يضر بثقافة التعاون والإنتاجية العامة، ويخلق بيئة عمل تنافسية بشكل مفرط، الأمر الذي قد يقوض روح الفريق ويبطئ نمو المؤسسة نفسها.

موازين القوة

وتميل موازين القوة بعيداً عن الموظفين، بينما تتصدر أخبار عمليات التسريح عناوين الصحف. ورغم أن مستويات التسريح ما زالت منخفضة نسبيًا مقارنة بالتاريخ، إلا أن هواجس فقدان الوظيفة باتت حاضرة بقوة في أذهان العاملين، بحسب تقرير لـ “بيزنس انسايدر”، يشير إلى أن المكاتب ذات الطابع الإداري تشهد موجة من الضغوط الجديدة، تشمل تهديد الذكاء الاصطناعي بأخذ الوظائف، وضغوط متزايدة على العودة إلى مقر العمل، بالإضافة إلى ثقافة عمل صارمة تؤثر سلباً على توازن الحياة المهنية والشخصية.كما يتعرض دور المدراء المتوسطين للتراجع بشكل كبير، ما أثار مخاوف لدى البعض من احتمال أن يكونوا هم القادمون على قائمة التسريحات، في ما يُعرف بـ “التسطيح الكبير” في هياكل الشركات.

الانتساب الجنوني

في هذا السياق، تقول أستاذة الإدارة وريادة الأعمال في جامعة أيوا، ميشيل ويليامز: “العاملون يشعرون بفقدان السيطرة”، مشيرة إلى أن هذا الاتجاه ظهر بقوة خلال أزمة 2008 الاقتصادية وعاد للظهور مجددًا الآن.

وتضيف: “إذا مر المدير بجانبك ولم يلقِ تحية، هل هذا يعني أنه يخطط لطردي؟ أم أن المدير كان مشغولاً في ذلك اليوم ولم يلاحظك؟”، مردفة: “الموظفون يبحثون عن هذه الإشارات الاجتماعية ويفسرونها بشكل مبالغ فيه بسبب شعورهم بعدم الأمان.”
يُطلق الخبراء على هذه الظاهرة اسم “الانتساب الجنوني”، حيث يفسر الموظفون الأحداث اليومية العادية في مكان العمل بمعانٍ سلبية. هل يعني تراجع جودة الوجبات الخفيفة أن الشركة تمر بأزمة مالية؟ هل ارتفاع حرارة المكاتب مؤشر على تخفيض الإنفاق على تكييف الهواء؟ هل زيادة عدد المتدربين علامة إيجابية أم سلبية بالنسبة لميزانية التوظيف؟

هذا الشعور بالخوف يؤثر سلباً على الجميع، فالعاملون القلقون من المرجح أن لا يقدموا أفضل ما لديهم. وقد يكون هذا القلق نفسياً أكثر منه واقعيًا.

كيف يعيد القلق تشكيل العاملين وأماكن العمل؟

يقدم مارك فريمان، البالغ من العمر 65 عامًا، نصيحة مستندة إلى خبرة تمتد لأكثر من 25 عامًا في تكنولوجيا سلسلة التوريد، وخبرته في التعرض للتسريح مرتين خلال مسيرته المهنية: بمجرد أن يقولوا لك: “لا تقلق، لن يتم تسريح أحد”، يجب أن تبدأ في تحديث سيرتك الذاتية والبحث عن فرص جديدة، لأنك لا تستطيع تصديقهم.” ويشير إلى أهمية أن يكون الموظف مرناً ويبحث دائماً عن فرص عمل بديلة، لأن انتظار التسريح يعني تأخره بالفعل.

ويقول تيم باراديس من بيزنس إنسايدر، إن التركيز المفرط على التسريحات قد يؤثر سلباً على الإنتاجية بسبب القلق المستمر بين العمال. وتوضح ميشيل ويليامز أن الموظفين يصبحون أقل تفاعلًا مع العمل، حيث تتحول طاقاتهم من إنجاز المهام إلى القلق واليقظة المفرطة.

وتشير مديرة قسم الموارد البشرية في شركة غارتنر للأبحاث، كارولين أوغاوا، إلى أنه على الرغم من أن سوق العمل للموظفين ذوي الياقات البيضاء قد يشهد بعض التباطؤ ، إلا أن العديد منهم لم يتخلوا بعد عن الشعور بالقوة الذي اكتسبوه قبل عامين خلال فترة الاستقالة الكبرى. هذا يعني أن الكثيرين ما زالوا متشددين في اختيار مكان عملهم.

وتضيف: “على الرغم من أن المرشحين قد يتلقون عروضًا أقل، إلا أن توقعاتهم لا تزال ثابتة. ومع هذا المستوى من الكفاءة في اختيار المرشحين، سيكون من الصعب استبدال هؤلاء الموظفين”.

وفي سياق متصل، تشدد على أنه عندما يُسرّح أصحاب العمل موظفيهم، غالبًا ما يُجبر من تبقى منهم على القيام بالعمل الذي كان يقوم به زملاؤهم السابقون. قد يؤدي ذلك إلى الإرهاق الوظيفي وحتى فقدان الشغف بالعمل، مما يدفع البعض إلى التساؤل عن هدفهم في المؤسسة.

وهذا يجعل من المهم للقادة أن يتواصلوا بشأن سبب قيامهم بهذه التخفيضات وكيف يمكن للعمال العودة إلى وظائفهم. وقالت إن “الخوف يتم التعامل معه من خلال الشفافية”.

المصدر: cnbc arabia