الخميس   
   03 07 2025   
   7 محرم 1447   
   بيروت 08:13

زهير بن القين، من رجل يتجنّب ملاقاة الحسين، إلى قائد ميمنة جيشه

حيدر كرنيب

خلال طريقه إلى الكوفة، كانت قافلة الإمام الحسين تسير بالقرب من قافلة أخرى، وكان أفراد تلك القافلة مكلّفين بمراقبة قافلة الإمام، حيث كانوا يُجدّون السير كلّما نزلت قافلة الإمام الحسين في موضع، وكانوا يتوقّفون وينصبون مضارب خيامهم كلّما سارت قافلة الحسين¹…  وقد لاحظ الإمام ذلك خلال الطريق، وعندما علم بأن صاحب القافلة هو زهير بن القين، أرسل الحسين واحدًا من أصحابه إليه، لكي يجتمع به²…

رفض زهير الاستجابة لرسول الحسين في بادئ الأمر،  لكي لا يؤدّي هذا اللقاء إلى مشاكل مع بني أمية، حيث كانت الأجواء مشحونة والأوضاع متوتّرة بعد موت معاوية، وأصبح يزيد لا يبالي بقتال ريحانة رسول الله من أجل أن ينتزع منه البيعة. وقد ورد في عدة مواضع أنّ زهير كان عثماني الهوى³.

بعد أن غادر الرسول خيمة زهير عائدًا إلى قافلة الإمام الحسين، جرى حوار بين زهير وزوجته دلهم، عاتبته فيه على عدم استجابته لدعوى الإمام الحسين، ثم حثّته على الذهاب إليه ليطّلع على ما كان يريده منه. فما كان من زهير إلا أن خرج من خيمته متوجّهًا نحو القافلة الحسينية، وبعد برهة من الزمن، عاد زهير إلى خيمته والابتسامة تزيّن وجهه، ثم أخبر زوجته عما كان من أمر الإمام الحسين، وأطلعها على نيته باللحاق به… ثم اتفق معها على أن يُطلّقها ويترك لها القافلة، وقبل أن يغادر ،عمد زهير إلى رجال قافلته، وأخبرهم على ما هو مقدم، وخيّرهم بين الذهاب معه أو البقاء⁴…

وعندما التقى الركب الحسيني مع عساكر الحر بن يزيد الرياحي، وأدرك أصحاب الحسين بأن هؤلاء الفرسان يريدون أن يقودوا الحسين لينزل على طاعة عبيد الله بن زياد، كان زهير بن القين أول من تقدّم إلى الأمام، واستأذنه بقتال الحر وجنوده، حيث أكد له بأن هؤلاء الجنود لن يلبثوا حتى يزداد عددهم، ولكن الإمام نهاه عن ذلك ما لم يبدأه أحد بالقتال⁵.

حطّت القافلة الحسينية رحالها في كربلاء يوم الثاني من محرم⁶، وفي عصر التاسع من  محرم، أقبل عدد من الفرسان إلى مخيّم الحسين، فخرج إليهم أخوه العباس، ومعه زهير بن القين وحبيب بن مظاهر، فقال لهم أحد الفرسان، بأن أمر الأمير عبيد الله قد جاء بأن تنزلوا على طاعته، وإلا فسنُنازلكم، فأشار الحسين عليه السلام إلى أخيه العباس بأن يستمهلهم حتى صباح اليوم التالي من أجل أن يقيموا الليل ويصلّوا لربّهم⁷. وفي تلك الأثناء تحدّث زهير إلى أحد رجال عمر بن سعد، وهو عزرة بن قيس، حيث ناشده زهير بأن لا يشترك مع أهل الضلالة في قتل النفس الزكية وسفك الدماء الطاهرة، فاستغرب عزرة مقالة زهير وأشار له بأنه لم يكن على صلة بآل علي، بل كان عثمانيًّا، وسأله عمّا جعله ينصر الحسين، فأخبره زهير بأنه ليس من أولئك الذين دعوه للمجيء إلى الكوفة، ولا من الذين كتبوا له، بل إن الصدفة جمعته به خلال طريق العودة من مكة إلى الكوفة⁸.

وفي اليوم التالي، كان الإمام الحسين يُجهّز أنصاره للمعركة، فجعل زهير بن القين على الميمنة، وحبيب بن مظاهر على الميسرة، وسلّم الراية لأخيه العباس⁹.

وبالنسبة إلى زهير، فقد ركب فرسه وتوجّه إلى القوم، فخطب فيهم وحاول أن يعظهم وينهاهم عن قتال خامس أهل الكساء، مشيرًا إلى أن من يقدم على جريمة كهذه، لن ينال شفاعة رسول الله، فهزأ به الشمر بن ذي الجوشن الضبابي، ولكن زهير أسكته بالإجابة المناسبة¹⁰، ثم طلب منه الحسين أن يرجع، فلو كانت الموعظة تؤتي ثمارها مع هؤلاء الرجال، لعدلوا عن هذا الأمر منذ أيام…

ثم ما لبث الجمعان أن اقتتلا قتالًا شديدًا، وكان يسقط من أنصار الحسين الرجل والرجلان، فيبان النقص فيهم لقلّة عددهم،¹¹ وكان زهير من الذين قاتلوا ببسالة وشجاعة رغم كبر سنه، حيث اشترك في القتال قبل الظهر. كما شكّل برفقة سعيد بن عبد الله الجعفي درعًا للحسين وأصحابه خلال صلاة الظهر¹². وبعد أن فرغوا من الصلاة، عاد زهير إلى الميدان وأوسع رجال ابن سعد ضربًا وطعنًا، حتى خارت قواه، وكثرت جراحه، وهكذا إلى أن احتوشه رجلان فقتلاه¹³، فهوى زهير على الثرى معفّرًا بدمائه، بعد أن قام بواجبه تجاه ريحانة رسول الله.

الهوامش:

١) الإرشاد للشيخ المفيد -الجزء الثاني -ص:72

٢)بحار الأنوار -الجزء:45 -ص:371

٣)الكامل في التاريخ -الجزء الرابع -ص:42

٤)مقتل أبو مخنف ـ ص:74

٥)مقتل أبو مخنف ـ ص:94

٦)اللهوف على قتلى الطفوف-ص:49

٧)مقتل أبي مخنف ـ ص:106

٨) مقتل الخوارزمي-الجزء الأول-ص:354

٩) مقتل أبو مخنف ـ ص:177

١٠)مستدرك سفينة البحار -الجزء السادس-ص:٤٤

١١) مقتل الخوارزمي ـ الجزء الثاني -ص:20

١٢)المصدر السابق نفسه

١٣)مقتل الشيخ عبد الزهراء الكعبي -ص:74

المصدر: موقع المنار