الجمعة   
   27 06 2025   
   1 محرم 1447   
   بيروت 22:45

خطبة الجمعة للشيخ علي دعموش 27-6-2025

هذا اليوم هو اول ايام محرم وهو اول ايام السنة الهجرية الجديدة هي سنة 1447 ومحرم هو اسم للشهر الأول من السنة الهجرية، وسمّي هذا الشهر محرماً لأن أهل الجاهلية كانوا يحرمون الحرب فيه أيام الجاهلية، لكن بني أمية لم يحفظوا لهذا الشهر حرمته، فسفكوا فيه دم سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين(ع) وأهل بيته وأصحابه ، وقد أشار الامام الرضا(ع) الى ذلك بقوله: ” إِنَّ الْمُحَرَّمَ شَهْرٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَرِّمُونَ فِيهِ الْقِتَالَ ! فَاسْتُحِلَّتْ فِيهِ دِمَاؤُنَا ، وَانتهكَتْ فِيهِ حُرْمَتُنَا ، وَسُبِيَ فِيهِ ذَرَارِيُّنَا وَنِسَاؤُنَا ، وَأُضْرِمَتِ النِّيرَانُ فِي مَضَارِبِنَا ، وَانْتُهِبَ مَا فِيهَا مِنْ ثِقْلِنَا ، وَلَمْ تُرْعَ لِرَسُولِ اللَّهِ حُرْمَةٌ فِي أَمْرِنَا “.
ولذلك كان أئمتنا(ع) إذا دخل المحرم دخل الحزن إلى بيوتهم. فقد ورد عن الامام الرضا(ع): كَانَ أَبِي إِذَا دَخَلَ شَهْرُ الْمُحَرَّمِ لَا يُرَى ضَاحِكاً ، وَ كَانَتِ الْكَآبَةُ تَغْلِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَمْضِيَ مِنْهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْعَاشِرِ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ مُصِيبَتِهِ وَ حُزْنِهِ وَ بُكَائِهِ ، وَ يَقُولُ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحُسَيْنُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ” 3 .
لقد أسس اهل البيت(ع) لمجالس أبي عبدالله وأقاموا المآتم لمصابه, وتذكر كتب التاريخ أنّ أوّل مجلس أقيم بعد واقعة كربلاء مباشرةً هو المجلس الذي اقامته السيّدات العلويّات، زوجات وأخوات وبنات الإمام الحسين عليه السلام والهاشميين الذين استشهدوا معه، وقد وقد اقيم ذلك المجلس في العراء فوق ساحة المعركة، على مشارف غروب شمس اليوم العاشر من المحرّم، ثم أقيم مجلس أخَر في وسط الطريق عندما سيقت النساء أسارى إلى الشام، وعلى طول الطريق كانت النساء يندبن قتلاهنّ وينشرن مظلومية أهل البيت، عليهم السلام، والمبادئ التي قتل من أجلها الإمام الحسين وأصحابه. ثم أقامت العقيلة زينب عليها السلام وبقية الهاشميات بيتاً للعزاء على الإمام الحسين الشهيد في دمشق بالذات، فلم تبق هاشمية ولا قرشية إلّا ولبست السواد حزناً على الإمام الحسين عليه السلام وندبته.
ثم انتقلت المآتم الحسينية إلى المدينة المنوّرة، «وكانت أوّل من اقام العزاء في المدينة على الحسين، عليه السلام، أمّ سلمة زوج النبي، صلّى الله عليه وآله، حتى ضجت المدينة بصرَخَاتِ النِّساءُ حَتّى سُمِعَ في المَدينَةِ رَجَّةٌ ما سُمِعَ مِثْلُها قَط».
ثم توسعت دائرة المجالس واقامها ائمة اهل البيت جميعا وأمروا شيعتهم باقامتها وإقامة العزاء وانشاد الشعر الحسيني واستماعه والبكاء بل التباكي على الحسين(ع) وزيارته.
ورد عن الامام الباقر(ع) انه قال لمالك الجهني: . ثم ليندب الحسين عليه السلام ويبكيه ويأمر من في داره بالبكاء عليه،ويقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه، ويتلاقون بالبكاء بعضهم بعضاً بمصاب الحسين (عليه السلام)..
وفي وصيّة أبي جعفر الباقر عليه السلام للشيعة: « .. رَحِمَ اللهُ عبداً اجتمع مع آخر وتَذاكَرَ في أمرنا؛ فإنّ ثالثهما مَلَك يستغفر لهما، وما اجتمعتُم فاشتَغلِوا بالذِّكر؛ فإنّ في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياءَ أمرنا، وخيرُ الناس مِن بَعدِنا مَن ذاكَرَ بأمرنا ودعا إلى ذِكرنا »
وعن الرضا(عليه السلام): من تذكر مصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلسا يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم يموت القلوب الحديث.

وقد استجاب الشيعة ومحبوا الحسين لهذا التوجيه فكانوا على طول التاريخ ولا يزالون يحرصون على احياء هذه الذكرى ويتفاعلون معها وقد تحملوا في بعض المراحل الاضطهاد والقمع والخوف والقلق بل والقتل نتيجة اصرارهم على احياء هذه الذكرى .
إن اهتمام أئمة أهل البيت (ع) باحياء هذه الذكرى وتوجيه وحث شيعتهم وعموم المسلمين على إحيائها واقامة المآتم والعزاء بعاشوراء يعود لعدة اسباب ابرزها:
أولا: التأسي والإقتداء برسول الله (ص) فرسول الله (ص) اول من اظهر الحزن و الألم وأول من بكى لهذه الفاجعة قبل وقوعها بنصف قرن. فمنذ ولادة الحسين (ع) كان رسول الله بين الحين والآخر يتحدث للأمة عن هذه المأساة لان جبرائيل كان قد اخبره عن الله أنه يقتل في ارض يقال لها كربلاء وناولها تربة حمراء من تربته.. وكان النبي(ص) كلما رأى الحسبن يدخل الحزن الى قلبه ويتألم ويبكي.
اذن نحن تأسيا برسول الله(ص) واتباعا لاهل البيت (ع) نحي مناسبة عاشوراء ويجب ان نحافظ على هذا الاحياء بصورته التقليدية وان نقيم المجالس بالشكل الذي اعتدنا عليه منذ زمن طويل.
ثانيا: إحياء هذه المناسبة فيه الكثير من الأثار و النتائج والفوائد والعطاءات والبركات: لماذا يلومنا البعض على إحياء مناسبة فيها منافع روحية وثقافية واجتماعية وسياسية؟
نحن نحي مناسبة فيها الكثير من المكاسب دينية وأخلاقية وسلوكية؟
مناسبة عاشوراء هي موسم ثقافي تربوي توجيهي لا يوجد في كل المجتمعات البشرية مايشبه هذا الموسم.
عاشوراء هي مدرسة ثقافية واجتماعية وسياسية لها تأثير كبير في قلوب الناس وعقولهم.
وأئمة أهل البيت(ع) هم الذين دفعوا بهذه المناسبة الى أن تأخذ هذا الشكل فتقام في كل سنة وتتحول الى مدرسة ذات أعراف وتقاليد وعادات.
توجد في العالم مناسبات كثيرة: مهرجانات ثقافية, مؤتمرات ندوات معارض كتب , انشطة ثقافية تصرف عليها ميزانيات ضخمة وتسلط عليها الأضواء الإعلامية ويتم دعوة الناس إليها لكن لا يوجد مثل موسم عاشوراء.
إحياء عاشوراء في الغالب هو جهد شعبي وإندفاع ذاتي يشارك فيه الجميع حيث تعم المجالس كل أنحاء العالم.. و ليس منطقة خاصة.
عاشوراء موسم ثقافي ديني يشد الناس الى دينهم ويعمق إرتباطهم بالله وبرسول الله(ص) وبأهل البيت (ع).
ليس هناك من ثورة في التاريخ ولا في الحاضر احتشضدت فيها قيم كثورة ابي عبدالله ايمان ووعي وتضحية وفداء واثار وكرم واخلاص وصدق واباء وشجاعة وصبر وثبات واستعداد للتضحية والخ
إحياء عاشوراء إحياء لهذه القيم الايمانية والرسالية والاخلاقية والانسانية.
عاشوراء مناسبة تدعو الناس الى التمسك بهذه القيم والاخلاق لأنها تختزن كل القيم الاخلاقية والانسانية من الصدق الى الوفاء والايثار والصبر والثبات والإباء والبصيرة والشجاعة والتضحية والعطاء في سبيل الله بلا حدود, هي نعمة لها انعكاسات كبيرة جدا.
اول واهم رسالة لعاشوراء هي الإلتزام بهذه القيم الالتزام بالإسلام بأحكامه وتشريعاته, بحلاله وحرامه محبة الحسين (ع) والتشبه بأهل البيت (ع) في جوهره وحقيقته ما هو الالتزام بقيم الدين واخلاقه.
الجميع في ايام عاشوراء يتركون أعمالهم وارتباطهم ويشاركون في المجالس, ولا شك ان هذا له ثواب كبير واجر عظيم, ولكن هذه المشاركة يجب ان تكون مرافقة للالتزام بالدين واحكامه.
الحسين (ع) ضحى بنفسه وقدّم اهل بيته واصحابه من اجل الدين.
إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني
العباس (ع) يقول : والله إن قطعتموا يميني إني أحامي أبدا عن ديني
الدين الذي ضحى من اجله الحسين والعباس أمانة بأيدينا جميعا يجب ان نخرج من هذه المجالس أكثر تمسكا والتزاما باحكام الدين وقيم الدين واخلاق الدين وضوابط الدين.
الدين الذي ضحى من اجله الحسين يستحق أن نضحي من أجله بشهواتنا وأهوائنا وغرائزنا ومصالحنا وأطماعنا.
الشهوات والمغريات والتحديات كثيرة خاصة على الشباب والفتيات وما يساعد على المواجهة والوعي والصبر و الثبات والتمسك بالدين هذه المجالس..
لذلك المطلوب في عاشوراء اذا اردنا إحياء أمر أهل البيت(ع)ان نلتزم بما التزموا به.

اليوم تأتي هذه الذكرى، ذكرى عاشوراء الخالدة ونحن لا زلنا في قلب الصراع الذي خاضه الإمام الحسين عليه السلام في مواجهة الطواغيت، وفي امتداد كربلاء. نصنع كربلاءنا مع عدو صهيونيٍ مجرم وقاتل يتنقل بعدوانه وإجرامه من مكان إلى مكان ومن دولة إلى دولة، وآخر محطات عدوانه كانت إيران التي شنّ عليها عدواناً وحشياً غادراً بمشاركة أمريكية مباشرة، بهدف تدمير المشروع النووي، وتعطيل القدرة الصاروخية، وزعزعة النظام، وصولاً إلى جرّ إيران للاستسلام غير المشروط.
لقد استخدموا في هذه الحرب أساليب المكر والخداع والتضليل وكل امكاناتهم العسكرية ووسائل التكنولوجيا، واستعانوا بالحلفاء وعملاء الداخل لتحقيق أهدافهم، ولكنهم فشلوا، ولم يستطيعوا إنهاء المشروع النووي ولا تعطيل القوة الصاروخية، ولا زعزعة النظام ولا جرّ إيران إلى الخضوع والاستسلام. بل خرجت إيران أكثر تماسكاً وأشد عزيمة ومنتصرة بصمودها وثباتها وقدراتها الصاروخية.
وكل المحاولات الأميركية والاسرائيلية لإخفاء الحقائق وتضخيم الانجازات والتعتيم على التقييم الحقيقي لنتائج العدوان لن يحجم انتصار ايران ولن يغطي الفشل الأمريكي والاسرائيلي في هذه الحرب.
لقد أثبتت إيران أنها قوة إقليمية أكبر من أن تكسر وأعظم من أن تستسلم، لأن الاستسلام من شيم الجبناء والمتخاذلين وعديمي الكرامة، وليس من شيم الشرفاء والشجعان، وإيران بقيادة الامام القائد اية الله العظمى الامام السيد علي الخامنئي دام ظله هي بلد الشرفاء والأقويا والشجعان ولا يمكن أن تخضع لإرادة الطغاة والمستكبرين مهما كانت التضحيات.
إيران التي لديها كل هذا التاريخ والعزم والصلابة والتماسك والكرامة الوطنية لا يمكن أن تستسلم.
اليوم، انتصار إيران في هذه المعركة هو انتصار للقضية الفلسطينية ولكل حركات المقاومة في المنطقة، ويجب أن يفهم الاسرائيلي والأمريكي وحلفاؤهما الغربيون أن غرورهم واستعلائهم وعدوانهم لن ينتهي بانتصار مشروعهم بل سيؤجج روح المقاومة لدى شعوب المنطقة اكثر، كما ان مشروعهم لإخضاع إيران والقضاء على حركات المقاومة في المنطقة هو حلم غير قابل للتحقق ومجرد أماني وأوهام وتخيلات.
البعض في لبنان ممن يفتقد للحس الوطني والأخلاقي والانساني وضع نفسه في خانة الأعداء وفي صفوف المعتدين وكان يراهن على أن يؤدي العدوان الصهيوني الامريكي على الجمهورية الاسلامية إلى كسر إيران وإخضاعها وإلى ترتيب نتائج ذلك في لبنان، إلا أنه صدم بعدم تحقيق ذلك، وخابت كل حساباته ورهاناته، تماما كما خابت رهاناته على أن تؤدي الحرب الاسرائيلية على حزب الله إلى سحقه والقضاء عليه، وصدم بعدم تحقيق ذلك وخابت آماله.
هؤلاء يجب أن يتعلموا من دروس الماضي وأن لا يبنوا رهاناتهم على أوهام خائبة وخاسرة لأنهم إن بقيوا كذلك سيكتشفون عاجلاً أم آجلاً أنهم خارج الواقع وخارج التاريخ.

المصدر: موقع المنار