الثلاثاء   
   14 10 2025   
   21 ربيع الثاني 1447   
   بيروت 18:23

ترامب.. بين الاقتصاد والهجرة.. هل بدأ التأييد يتراجع؟!

بعد تسعة أشهر على ولايته الثانية، يجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه أمام تراجعٍ واضح في التأييد الشعبي، وسط إغلاقٍ حكومي جزئي وتوتراتٍ سياسية واقتصادية متصاعدة.

فقد أظهرت آخر استطلاعات الرأي الصادرة عن كل من وكالة رويترز/ وإيبسوس (سبتمبر – أكتوبر 2025) أن نسبة تأييد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انخفضت إلى نحو 40%، وهي أدنى نقطة منذ توليه منصبه في 20 كانون الثاني/يناير 2025.

هذا التراجع لم يكن مفاجئًا للمحللين، الذين يعزونه إلى مزيج من العوامل الداخلية والخارجية، أبرزها: ضعف الأداء الاقتصادي، سياسات الهجرة المثيرة للجدل، الاستخدام المفرط للقوة داخليًا، وتذبذب المواقف في السياسة الخارجية.

استطلاع رأي لإبسوس عبر الإنترنت يجمع ردودًا من البالغين الأمريكيين على مستوى البلاد وتُظهر المناطق المظللة هامش الخطأ لكل فترة استطلاع

وفي هذا الاطار يقول الباحث في الشؤون الدولية علي مراد في مقابلة مع موقع المنار: “الاقتصاد يبقى المعيار الأول في تقييم الرؤساء؛ فالمواطن الأميركي يقيس الأداء بما يدخل جيبه، لا بما يُقال في المؤتمرات الصحفية.”

الاقتصاد.. المعضلة الكبرى أمام ترامب

يتفق معظم المحللين على أن الاقتصاد يشكّل العقبة الأساسية أمام شعبية ترامب، إذ أدّت سياسات التعريفات الجمركية الجديدة، التي فُرضت خلال الأشهر الأولى من ولايته الثانية، إلى اضطراب الأسواق المالية وتراجع ثقة المستثمرين في وول ستريت، ما انعكس سلبًا على سوق العمل ورفع معدلات البطالة.

وبحسب رويترز، فرض ترامب تعريفات جمركية على مجموعة واسعة من السلع المستوردة، شملت 100% على الأدوية المسجلة، و25% على الشاحنات الثقيلة، و50% على معظم الصادرات الهندية.

ووفقًا لتقارير رويترز ومعهد Peterson للاقتصاد الدولي (PIIE)، دفعت هذه السياسات الشركات إلى إعادة تقييم سلاسل التوريد وتقليص خطط التوظيف مؤقتًا.

كما أشار تقرير اللجنة الاقتصادية المشتركة في الكونغرس إلى أنّ هذه التعريفات ساهمت في تباطؤ نمو الوظائف وارتفاع طلبات إعانات البطالة، في حين أوضح مركز Yale للسياسات الاقتصادية أن أسعار السلع الاستهلاكية ارتفعت بنسبة 1.8%، ما زاد العبء على الأسر الأمريكية.

وقد انعكست هذه التداعيات الاقتصادية مباشرة على شعبية ترامب، إذ شعر الناخبون بأن سياساته زادت أعباءهم بدل أن تحمي جيوبهم، خصوصًا بين الشباب والمستقلين الذين يُعتبرون طرفا اساسيا في الانتخابات.

وأظهر استطلاع رويترز أن 54% من الأمريكيين يرون أن الاقتصاد يسير في الاتجاه الخاطئ، بينما يوافق فقط 35% على أداء ترامب الاقتصادي، وتنخفض النسبة إلى 28%–30% عند تقييم إدارته لتكلفة المعيشة.

كل ذلك يؤدي الى خلاصة يعبر عنها الباحث علي مراد بالقول: “أي ارتفاع محسوس في الأسعار أو تراجع في التوظيف يخصم فورًا من رصيد الرئيس بين المستقلين، وهي الفئة الأكثر حساسية تجاه المؤشرات الاقتصادية.”

الهجرة.. الجرح المفتوح والانقسام الاجتماعي

منذ آب/أغسطس الماضي، نفذت وكالة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE) حملات ترحيل واسعة شملت آلاف المهاجرين من أصول لاتينية، ما فجّر موجة غضب داخل المجتمعات الهسبانية هي الفئة ذات الأصول اللاتينية الناطقة بالإسبانية، التي تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية.

وبيّن استطلاع إيبسوس أن تأييد ترامب بين اللاتينيين تراجع إلى نحو32% ، بعدما كان أكثر من 45% مطلع العام.

ويرى الباحث علي مراد أن الأمريكيين من أصول لاتينية اعتبروا هذه الحملات سياسات ذات خلفية عنصرية تستهدف المهاجرين من المكسيك وأمريكا اللاتينية.

كما تأثر أصحاب الأعمال البيض الذين يعتمدون على العمالة المهاجرة الرخيصة، إذ أدّى فقدانهم لهذه اليد العاملة إلى تراجع الإنتاجية وزيادة البطالة، وأضعف قطاعات حيوية مثل الزراعة والبناء. وهكذا تحوّل ملف الهجرة من ورقة انتخابية رابحة إلى عبء سياسي واقتصادي مزدوج على إدارة ترامب.

الأمن الداخلي.. المستقلون في قلب المشهد

على صعيد اخر، أظهرت بيانات رويترز/إيبسوس أن 58% من الأمريكيين ي يؤيدون إرسال قوات عسكرية لمواجهة تهديدات خارجية، ما يعني ان الاغلبية ترفض نشر الجيش داخل البلاد لمواجهة التهديدات الداخلية، ما يعكس رفضًا عامًا لأي تدخل فدرالي في الشؤون المحلية.

وعن هذا الموضوع تحدث الباحث في الشؤون الامريكية علي رزق لموقع المنار فقال أن المستقلين يميلون إلى معاقبة أي إدارة تتجاوز في استخدام القوة داخليًا، خاصة عندما يترافق ذلك مع ضعف اقتصادي.

وقد أدت الحملات الأمنية في مدن مثل واشنطن ولوس أنجلوس إلى جدل سياسي واسع، حيث اعتبر كثيرون أن الخطاب الأمني الصارم ونزعة “القوة أولًا” تعكس توجهًا سلطويًا مقلقًا.

وفي مقال نشرته فوكس نيوز، اعتبرت السيناتور تامي داكويرث أن استخدام القوات العسكرية داخل المدن يشكل انتهاكًا لحقوق المواطنين ويهدد نزاهة الجيش، في موقف يعكس القلق الديمقراطي من التسييس الأمني.

وأظهرت البيانات أن 72% من الديمقراطيين و51% من الجمهوريين يفضلون حصر استخدام الجيش بالمهام الخارجية فقط، وهو ما أسهم في تآكل ثقة المستقلين والديمقراطيين بترامب، وجعل الملف الأمني أحد أبرز أسباب تراجع شعبيته.

السياسة الخارجية.. ازدواجية المواقف وارتباك الرسائل

فقد أدت سياساته تجاه إيران ودعمه اللامحدود للكيان الإسرائيلي إلى خيبة أمل داخل قاعدة “ماغا”، ما دفعه لاحقًا إلى محاولة تعديل موقفه والمضي في اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.

وتُظهر استطلاعات رويترز/إيبسوس (سبتمبر 2025) أن 45% من الأمريكيين يعارضون أي انخراط عسكري ضد إيران مقابل 41% مؤيدين، ما يعكس ميلاً عامًا نحو الابتعاد عن التدخلات الخارجية.

كما تراجع ترامب عن وعوده بإنهاء الحرب في أوكرانيا بعدما وافق على تزويد كييف بالسلاح، ما أثار استياء جزء من قاعدة “لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا”.

أما في منطقة غرب اسيا، فقد أدى تبدّل مواقفه من رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والحرب على غزة إلى انتقادات متزايدة حتى داخل الحزب الجمهوري، وخصوصًا بين الشباب الذي بدأ يتعاطف مع الفلسطينيين اكثر من تعاطفه مع المستوطنين.

كل ذلك ساهم في إضعاف صورته الدولية وفقدان جزء من بريقه السياسي.

ملف إبستين.. عامل ريبة دون مكاسب سياسية

من جهة أخرى لم يحقق تعامل إدارة ترامب مع ملف جيفري إبستين أي مكاسب سياسية ملموسة.

فقد عبّر عدد كبير من الأمريكيين، بمن فيهم جمهوريون، عن عدم الثقة أو الغموض حيال الملف، ما أثر سلبًا على صورة ترامب دون أن يمنحه رصيدًا سياسيًا.

وأشارت شبكة فوكس نيوز إلى أن الديمقراطيين في الكونغرس انتقدوا ضعف الشفافية في هذا الملف، معتبرين أنه يثير الشبهات، فيما رأى الجمهوريون أنه استغلال سياسي من خصومهم.

إغلاق الحكومة.. عبء سياسي متزايد

في مطلع أكتوبر 2025، شهدت الولايات المتحدة إغلاقًا حكوميًا جزئيًا بسبب فشل الكونغرس في تمرير قانون تمويل جديد، ما عطّل العديد من الخدمات الفيدرالية وأضر بالاقتصاد.

وأظهرت استطلاعات رويترز/إيبسوس أن أغلبية الأمريكيين توزّع اللوم بين الجمهوريين والديمقراطيين وترامب نفسه، ما جعل الإغلاق عبئًا سياسيًا متراكماً على صورته العامة.

وقد انعكس ذلك سلبًا على شعبيته بين المستقلين وسكان الولايات الفيدرالية والعسكرية، الذين عبّروا عن قلقهم من التأثيرات الاقتصادية والسياسية للإغلاق، مما زاد من تآكل الثقة الوطنية بترامب

تعكس نسبة التأييد الحالية (40–41%) تفاعلاً معقدًا بين الاقتصاد والهجرة والأمن والسياسة الخارجية. ورغم احتفاظ ترامب بقاعدته الصلبة داخل الحزب الجمهوري، إلا أن هوامش الفوز المستقبلية تعتمد على موقف الوسط والمستقلين، الذين يشكّلون نقطة التوازن في أي انتخابات.

العوامل الرئيسية التي أثرت على تراجع شعبية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الجدول التالي:

ويخلص الباحث في الشؤون الامريكية علي رزق إلى أن: “الاقتصاد أولاً، ثم الهجرة والأمن الداخلي، هي الملفات التي ستحدد قدرة ترامب على رفع شعبيته أو الحفاظ عليها.”

فيما يرى الباحث في الشؤون الدولية علي مراد أن استمرار الأداء الحالي دون حدث وطني جامع قد يُبقي التأييد عالقًا عند حدود 40% في المدى المنظور.

بكلماتٍ أخرى، لن تكفي الخطابات الوطنية أو الملفات الخارجية لرفع منحنى الشعبية ما لم يشعر الأميركي أن جيبه آمن وحياته اليومية مستقرة.

المصدر: موقع المنار