الثلاثاء   
   17 06 2025   
   21 ذو الحجة 1446   
   بيروت 06:01

هل تنجح وساطة موسكو في نزع فتيل الحرب بين الجمهورية الإسلامية وكيان العدو؟

لا ريب في أن روسيا تُعَدُّ وسيطًا متوازنًا، بل الأكثر توازنًا في هذا الصراع. بيد أن الولايات المتحدة استبعدت روسيا عن جولات التفاوض الخمس الماضية مع إيران، كما اعتادت على استبعادها عن مساعي تسوية قضايا المنطقة كافة، ومنها مساعي وقف إطلاق النار في غزة والمنطقة عمومًا.

تحافظ روسيا على علاقات جيدة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وهي علاقات شراكة واسعة، ولكنها محدودة. فالاتفاقية الموقعة بين الجانبين تحظر على كل منهما مساعدة أي طرف ثالث معتدٍ على الطرف الآخر، غير أنها ليست اتفاقية دفاع مشترك.

استفادت روسيا من المساعدة الإيرانية والموقف الإيراني في حربها في أوكرانيا، كما استفادت إيران من التكنولوجيات الروسية في تطوير أسلحتها الصاروخية الفرط صوتية وغيرها. كذلك فإن الاستثمارات الروسية في الاقتصاد الإيراني، ولا سيما في قطاعي الطاقة والطاقة النووية، تشكل عنصرًا حيويًا في هذه الشراكة.

وإن إصرار مؤسسة “روس كوسموس” الروسية على بناء ٨ مفاعلات نووية في إيران حتى بعد اندلاع الحرب الجارية بين الجمهورية والكيان العبري، يتسم بدلالات على تمسك الطرفين الإيراني والروسي بإنجازاتهما، فضلًا عن اعتماد روسيا على البوابة الإيرانية في تحويل سلاسل توريدها وخطوطها التجارية جنوبًا وشرقًا إلى وسط وشرق آسيا.

من ناحية ثانية، تتمسك موسكو بعلاقاتها الاستثنائية مع الكيان العبري، بالرغم من ثبات تعاون تل أبيب ودعمها لنظام كييف وتزويده بتقنيات عسكرية.

ولا تغيب عن الأذهان أوجه الشبه بين مكونات الهجوم الإرهابي الأوكراني المدعوم من جهات عربية، والذي قد يكون للموساد الصهيوني ضلع فيه، على المطارات الروسية وقواعد القاذفات الاستراتيجية، إحدى أذرع الردع الاستراتيجي النووية الروسية، بطائرات مسيّرة أُطلقت من شاحنات من داخل روسيا، والهجوم الإرهابي الذي استهدف إيران وقدراتها الدفاعية ودفاعاتها الجوية وقادتها وعلماءها مع بداية الحرب يوم الجمعة الماضي، التي شنها الكيان العبري.

إذ إن مكونات المسيّرات والمقذوفات وتقنياتها وسلاسل توريدها متشابهة بين ما حصل في إيران وروسيا.

روسيا من ناحيتها تراهن على دور دونالد ترامب في تسوية الصراع عند حدودها الغربية مع أوكرانيا المدعومة من الغرب الجماعي، غير أن الولايات المتحدة لم تفِ بتعهداتها ولم تَصدق في وعودها. فالحرب الأوكرانية التي تعهّد ترامب بإنهائها خلال ٢٤ ساعة بعد دخوله البيت الأبيض لا تزال مستمرة.

تُدرك موسكو أن موقفها التفاوضي مع الغرب الجماعي في حال انهيار إيران وسقوطها سيكون أضعف، لكنها لا تستطيع إظهار تعاطف زائد مع الجمهورية الإسلامية، رغم الإدانة الروسية الواضحة لعدوان الكيان الصهيوني، وذلك بسبب عدم رغبتها في استفزاز ترامب، الذي لا يزال الكرملين يعوّل على دوره في وقف الحرب مع أوكرانيا على نحو ينسجم مع تحقيق أهداف موسكو عبر عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، وإزاحة شبح العقوبات الأميركية والغربية المرهقة للاقتصاد والدولة الروسية.

بيد أن الأمور بدأت تتخذ اتجاهات أكثر خطورة، وهي تهدد النظام والاستقرار العالميين تمامًا. واتساع رقعة الاشتباك واحتمال دخول الولايات المتحدة في المواجهة يزداد، الأمر الذي تسعى موسكو لتجنبه بكل إمكاناتها الدبلوماسية وعلاقاتها مع قادة دول المنطقة.

وفي حال تراجع الولايات المتحدة الأمريكية عن دعم العدوان الصهيوني على إيران، وممارستها الضغوط لوقف الحرب، عندئذ تتوفر الأرضية الملائمة للعودة إلى طاولة المفاوضات، التي لم يعد من الممكن استبعاد روسيا عنها. وفي جميع الأحوال، تفضّل موسكو بقاء المواجهة محصورة بين الكيان والجمهورية الإسلامية. وأظن أن الجمهورية الإسلامية تتفهم ذلك، ولو طال أمد الحرب، لكي لا يتسع الصراع ليصبح أكبر من حرب إقليمية.

وكما قال أندريه غروميكو: “شهر من المفاوضات أفضل من يوم حرب واحد”، فكيف إن كان يوم الحرب هذا غير تقليدي، أي نوويًا!

بادئ ذي بدء، موسكو لديها الوسائل والعلاقات والقدرة على لعب دور وسيط فعّال ونزيه وحاسم، خلافًا للولايات المتحدة، التي تُعد عمليًا شريكًا وطرفًا في الحرب، وليست وسيطًا بالطبع.

إذا سلّم ترامب ومن خلفه نتنياهو بفشل مخططهم في القضاء على قدرات الجمهورية الإسلامية وتدميرها، فلا بديل عن الدور الروسي للتوصل إلى اتفاق طويل الأمد يجنّب المنطقة والعالم حربًا مدمّرة، أكبر وأخطر مما يتخيله أي عقل بشري، وخاصة مع ازدياد مخاوف إغلاق مضيق هرمز وثبات تدخل الولايات المتحدة الأميركية على نحو مباشر في الحرب على إيران.

المصدر: موقع المنار

أحمد الحاج علي