بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق، مولانا وحبيبنا وقائدنا أبي القاسم محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وصحبه الأبرار المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والصالحين إلى قيام يوم الدين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أُحيي جميع الوفود والحاضرين من الدول العربية والإسلامية والأجنبية، كممثلين وكحاضرين على المستوى الرسمي والشعبي والعلمائي، من كل الأطياف، ومن كل الحركات، ومن كل الجهات.
كما أحيي هذا الحضور الطاهر الشريف الذي ينتشر اليوم بين مرقد سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله (رضوان الله تعالى عليه) في الضاحية الجنوبية لبيروت، ومرقد السيد هاشم صفي الدين (رضوان الله تعالى عليه) في دار قانون النهر، ومقام سيد شهداء المقاومة السيد عباس الموسوي في النبي شيت، رضوان الله تعالى عليه. هذا الحشد الكبير مع كل الذين يحضرون هذه المراسم على مستوى العالم، كل التحايا لهم، وكل التبريك والتعزية بهذا المصاب الجلل. سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله رحل عنّا، ماذا نقول في ذكراه السنوية الأولى؟ سأتحدث عنه بثلاثة أمور:
أولاً: منطلقاته
سيدي، رحيلك مُفجع، لكن نورك ساطع. غادرت الدنيا مكانًا فأشرقت عليها من عليائك، وأصبحت أكثر حضورًا. كنت القائد فأصبحت الملهمة للقادة. انطلقت من الإسلام في تفاني المخلوق مع خالقه. قائدك النبي الأكرم والأعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهو قائد هداية البشرية. ولاؤك للأمة الأطهار، تُمسك بحبل النجاة، تمدّه إلى الأجيال. ارتباطك بمدد الولاية، الإمام الخميني، قدس الله روحه الشريفة، قدوة الزمان وولي الأمر، ومع الإمام الخامنئي دام ظله، جعلتنا نعشق القيادة ونهجها ونواليها. أفقك أن نسلّم الراية إلى صاحب العصر والزمان، أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.
جَبَلت مسيرة حزب الله بفكرك وروحك ودمك، وهي منصورة إن شاء الله تعالى. “وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ”.
الأمر الثاني: أنت حامل راية المقاومة
زرعت فلسطين في قلوبنا فأينع الزرع مقاومة صلبة أبيّة. فتحت زمن الانتصارات: في سنة 1993، 1996، تحرير سنة 2000، مواجهة عدوان تموز سنة 2006، تحرير الجرود سنة 2017. أنت صاحب الكلمة المشهورة: “ولّى زمن الهزائم، وجاء زمن الانتصارات”. وبالفعل، نحن نعيش زمن الانتصارات العظيمة في أنفسنا وحياتنا وعلى أعدائنا. الانتصارات للمسيرة هي ثبات واستمرار، ولسالكيها نصر أو شهادة. أنت القائل: “إذا انتصرنا انتصرنا، وإذا استشهدنا انتصرنا”، النصر يحيط بنا من كل مكان، هكذا علّمتنا. سكنت القلوب فتعلّقت بك، فلم تغادرها ولن تغادرها. جذّرت مقاومة نموذجية متلألئة، ونشرت أنوارها في كل المنطقة والعالم، وأحدثت آثارًا بارزة، وغيرت وجه المنطقة ووجهتها. امتدت هذه المقاومة إلى العالم، إلى كل عزيز وكريم، إلى كل صاحب ضمير حي. أنت سيد شهداء الأمة والعالم، أنت القائد المقاوم الأممي، تلهم الأحرار في العالم. لم تعد لمكان دون آخر، ولا لزمان دون آخر. أنت المقاوم القائد لكل مكان ولكل زمان في حضورك الجسدي، وفي حضورك مرزوق عند الله تعالى.
المقاومة التي رسّخت هي العزة والحب والأمل والنصر والمستقبل والأخلاق. المقاومة التي نشرت هي للمسلم والمسيحي والعلماني، هي لكل إنسان على وجه الأرض. المقاومة التي بنيت هي السلاح والقوة، وهي المجاهد والجهاد، وهي المجاهدة في أسرتها وحياتها، وهي الطفل ينمو على الشموخ، وهي العائلة تتزود من معين الطهارة.
الأمر الثالث: نهجك خالد
قتلوا جسدك فتحرّرت روحك، أصبحت حيًّا دائمًا عند الله تعالى تُرزق وتُنير. لن يهنأوا وأنت موجود فينا، ولن ينتصروا وأبناءك وأحبتك على العهد. تجسّدت فيك مكارم الأخلاق، في النبل والشجاعة والتواضع والحنان وحسن الخلق والتسامح والبأس مع الأعداء. النتيجة عظيمة، “وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ”، ما أنبلك وأوفاك، تُردّد دائمًا بأن أستاذك هو الأمين العام السيد عباس الموسوي (رضوان الله تعالى عليه)، وهو الذي تزوّدت منه وتتزوّد، هو القائل: “الوصية الأساس: حفظ المقاومة”. حملت الشعلة من يده، وأطفيت عليها نور عطاءاتك. السيد عباس، رضوان الله تعالى عليه، بقي فينا حيًّا من خلالك ونهجك وجهاده وعطاءاته.
أحببت الناس وأحبك الناس، يا أشرف الناس وأكرم الناس وأعظم الناس، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. عملت معك لثلاثة عقود ونيّف، وكنت أرى فيك القائد والمسدد والحكيم وصاحب البأس والقلب العطوف. سأقول لك باسمي واسم إخواني، وهذا الجمهور المحب، وكل المنتشرين في العالم من الذين أحبوك: ”إنا على العهد يا نصر الله”، نكررها ثلاثًا: ”إنا على العهد يا نصر الله”. تابعنا من بعد غيابك وسنتابع، نهجك مستمر، ونتابع. سنكون حملة الأمانة، حملة الإسلام والمقاومة وتحرير فلسطين. إنّا على العهد مستمرون وثابتون وحاضرون للشهادة. لن نترك الساح، ولن نتخلّى عن السلاح. وكما علّمتنا: “ما تركتك يا حسين”.
التعزية والتبريك بهذه الشهادة العظيمة لصاحب العصر والزمان (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)، وقيادة الولي الفقيه، والعائلة، وحزب الله، وكل المحبين، إلى روحه وأرواح الشهداء وأرواح أمواتكم، نهدي ثواب السورة المباركة الفاتحة مع الصلاة على محمد وآل محمد.
هي الذكرى السنوية الأولى للسيد الهاشمي أيضًا، سماحة السيد هاشم صفي الدين (رضوان الله تعالى عليه)، كنت يا سيد عضدًا لسيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله (رضوان الله تعالى عليه). تشاركنا الطريق على قلب رجل واحد، مسيرتك في إدارة منطقة الجنوب، ثم رئاسة المجلس التنفيذي في حزب الله، وعضوية الشورى، هي مليئة بالعطاءات والتضحيات والجهاد، وكل الوقت الذي بذلته كان في سبيل الله تعالى لإعلاء كلمة الحق على طريق المقاومة.
برز اهتمامك بالتربية العقائدية الرسالية، واهتمامك بالثوابت والأصول، لأنك تعلم أن البداية من القلب والعقل، فمن آمن واعتقد وارتبط بربه، وصل إلى تحقيق الأهداف. اهتميت بالمجاهدين والتعبئة وقضاياهم، وكانت شؤون الناس حاضرة دائمًا في برامجك العملية. ساعدت في تأمين متطلبات جبهة المواجهة ضد العدو الإسرائيلي.
يشهد لك الحقل التربوي والكشفي والعمل النسائي، ويشهد لك العمل الاجتماعي والصحي، ورعاية أبناء الشهداء وعوائل الشهداء والإمداد، وكل المجالات التي فيها هذه الخدمة العظيمة للناس، هي تشهّد لعطاءاتك. من كان قائده السيد حسن ومدرسته الولاية ونهجه المقاومة، يكون كما أنت بعزيمتك وتصميمك وتضحيتك.
غادرتنا سريعًا، لكن آثارك باقية ومستمرة، والعهد مستمر إن شاء الله أيها السيد الهاشمي الجليل العزيز، الذي أعطيت وكنت عضدًا لسيد شهداء الأمة. إلى روحك وأرواح كل الشهداء وأرواح أمواتكم جميعًا، نهدي ثواب السورة المباركة الفاتحة مع الصلاة على محمد وآل محمد.
مع سماحة سيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله (رضوان الله تعالى عليه)، في يوم 27 أيلول سنة 2024، استُشهد ثلة من الإخوة المجاهدين من القادة والشهداء، مع ثلة من الناس الذين كانوا في المكان.
نذكر بشكل خاص القائد الجهادي الكبير الحاج أبو الفضل علي كركي، وهو من الرعيل الأول في منطقة المصيطبة في بيروت. عملنا معه قبل نشوء الحزب وبعده، لا يمكن الفصل بين جذوره الإيمانية الولائية والجهاد في سبيل الله تعالى كمقاومة إسلامية، هي التربية القرآنية الولائية التي دفعتك يا أبا الفضل أن تعطي كلك جهادًا بالنفس والمال في كل وقتك وحياتك.
من بيروت العاصمة إلى خلدة سنة 1982 في مواجهة العدو الإسرائيلي، ثم إلى الجنوب في كل ترابه، كل تراب الجنوب يعرفك في كل مكان، وتعرفك كل الحروب التي خاضها حزب الله هناك: من التحرير إلى 2006، إلى مساندة غزة. كنت مع الاستشهاديين تهيئهم وتذهب معهم إلى آخر المطاف. كنت في سوريا تدعم هذه المسيرة، وشاركت في كل معركة الإسناد، مع تحملك مسؤولية المعاون الجهادي لدى سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله كبرت مسؤوليتك وكنت أهلًا لها. ربيت أجيالًا من القادة والمجاهدين، وتركت آثارًا ستبقى الرصيد. تحملت مسؤولية رئيس الأركان بعد الشهيد فؤاد شكر (رضوان الله تعالى عليه)، أكرمك الله تعالى بالشهادة مع من أحببت، مع سيد شهداء الأمة السيد حسن (رضوان الله تعالى عليه)، أرادك إلى جانبه مسؤولًا في إدارة المعركة، فتسلّمت معه وسام الشهادة في أقدس وأشرف موقع جهادي بصدق وإخلاص.
التعزية والتبريك للعائلة، للحزب، لكل المحبين، لكل السائرين على هذا الخط والمؤيدين له. إلى روحه وأرواح الشهداء وأمواتكم، نهدي ثواب السورة المباركة الفاتحة مع الصلاة على محمد وآل محمد.
من حق الإخوة المجاهدين الذين استُشهدوا مع سماحة سيد شهداء الأمة السيد حسن (رضوان الله تعالى عليه) ومع سماحة السيد الهاشمي (رضوان الله تعالى عليه)، أن نذكرهم بالإجمال، بالتبريك والتعزية، وأيضًا أن نذكر أسماء بعض القادة، وذلك بسبب الوقت، وإن شاء الله تكون هناك تفاصيل عن حياتهم في الأنشطة المختلفة التي يقيمها الإخوة.
أذكر من الإخوة الأساسيين مع سيد شهداء الأمة: الحاج عباس نیلفروشان، وهو قائد الحرس الإيراني من حرس الثورة الإسلامية المباركة، وهو في نفس الموقع الجهادي، أعطى وقدّم وضحى، وهذا يدل على هذا التماهي الموجود بين إيران ولبنان وفلسطين في لُحمة عظيمة.
استُشهد أيضًا: الحاج أبو حسن عمار، علي نايف أيوب، والحاج أمين عبد الأمير محمد سبليني، والحاج نبيل إبراهيم حسين جزيني، والحاج جهاد سمير توفيق ديب، والحاج حسن محمد حبيب خير الدين.
أما بعض القادة الذين استُشهدوا مع السيد الهاشمي، رضوان الله تعالى عليه، فهم: الحاج مرتضى (حسين علي هزيمة)، والحاج عادل (علي محمد بحسون)، والحاج ماهر (محمود محمد شاهين).
أيها الكرام، أيها الأهل، أيها الأحبة، هذه الباقة من الأنوار ارتفعت إلى بارئها في أسمى عطاء، وفي شهادة عظيمة، هم أحياء عند ربهم يُرزقون، بحمد الله تعالى، وقد أدّوا ما عليهم. إلى أرواحهم جميعًا نهدي ثواب السورة المباركة الفاتحة مع الصلاة على محمد وآل محمد. مرت سنة على شهادة العظيم، وعلى شهادة العظماء، على شهادة الحبيب والأحبّة، على شهادة القائد والقادة.
لا بدّ أن تكون هناك جملة من الأمور هي أشبه بتقرير عن الوضع الذي مررنا فيه خلال سنة، ووضعنا الحالي الذي نحن عليه.
أولاً، واجهنا حربًا كبيرة عالمية بالأداة الإسرائيلية، والدعم الطاغوتي الأمريكي والأوروبي الذي لم يكن له حدود. مستوى الحرب مستوى عالمي، وكان الهدف هو إنهاء المقاومة على طريق إسرائيل الكبرى، إنهاء المقاومة في لبنان، وإنهاء المقاومة في فلسطين، وإنهاء المقاومة في كل هذه المنطقة، لتبقى إسرائيل كي تتوسع وتأخذ ما تريد. قتل الإسرائيلي القيادات، وقام بضرب القدرة في أماكن عدة، وقام بعملية “البيجر” التي طالت حوالي أربعة آلاف من الإخوة والأخوات والناس.
لو حصلت هذه الأمور خلال أيام بين:17 أيلول (البيجر)، 18 أيلول (اللاسلكي)،20 أيلول (قادة الرضوان مع الحاج عبد القادر – رضوان الله تعالى عليه)، 27 أيلول (قتل سماحة الأمين العام قدس سره مع مجموعة من القادة والشهداء)، 4 تشرين الأول (قتل سماحة السيد هاشم، رضوان الله تعالى عليه، مع مجموعة من القادة والشهداء)… لو حصلت هذه الأمور مع ضرب القدرة، مع أي جيش، مع أي دولة، بل مع مجموعة من الدول، لانهارت، وهكذا كان يتوقع الإسرائيلي، كان يتوقع أن نسقط بهذه الضربة القاسية التي حصلت على حزب الله. لكننا استعدنا المبادرة بحمد الله تعالى، انتخبنا أمينًا عامًّا جديدًا، رمّمنا القيادات باستبدال الشهداء بقادة جدد، استمررنا في المعركة في الميدان، وكان إخواننا أيضًا في المقلب الآخر يتابعون موضوع النزوح والقضايا الاجتماعية. هذه الاستعادة للمبادرة في معركة أولي البأس استطاعت أن توقف اندفاعة العدو باتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني.
نحن في المعركة اعتبرنا أننا خضنا معركة أولي البأس من 23 أيلول (يوم ضرب القدرة) إلى 27 تشرين الثاني، 64 يومًا، في هذه المعركة التي ثبت فيها المجاهدون، وثبت فيها أهلنا، واستطعنا بحمد الله تعالى أن نمنع تحقيق الهدف الإسرائيلي بإنهاء المقاومة.
بعد الاتفاق إلى الآن مرّت عشرة أشهر، خلال الأشهر العشرة كنا في حالة تسابق، العدو يسير مع من يؤيده بسرعة من أجل تحقيق هدفه مجددًا، والمقاومة وشعبها وجيشها والذين يؤيدونها يسيرون أيضًا بسرعة معينة من أجل أن تمنع إسرائيل من تحقيق هدفها، ومن أجل أن ترمّم وضعها.
إسرائيل استمرت بعدوانها، ودعمتها أمريكا، واستخدمت أمريكا كل الضغوطات السياسية التي تستطيعها من أجل تحقيق أهداف إسرائيل بالسياسة، بعد أن عجزت أن تحققها إسرائيل بالعسكر. وخلال عشرة أشهر ضغوطات لا تنتهي على مستوى الداخل والخارج، وعلى المستوى الدولي، حتى عندما يتحدث معنا بعض الأوروبيين أو بعض من كان من الدول الكبرى، يقول لنا: “لا خيار أمامكم إلا أن تسلّموا لإسرائيل”، ولكننا لم نرضخ، لم نقبل.
هم ساروا في هذا الاتجاه: ضغط عسكري، ضغط سياسي، ضغط اجتماعي، وبكل الوسائل، حتى تحريك أدوات الداخل في لبنان من أجل أن يهزموا هذه المقاومة التي استطاعت أن تقف على رجليها، واستطاعت أن تواجه في معركة أولي البأس، وتستمر بحمد الله تعالى.
في المقابل، ماذا فعلت المقاومة بعد معركة أولي البأس؟ هناك مشاهد دلّت على قوة هذه المقاومة وقدرتها على التعافي والاستمرار: كان تشييع المليوني المهيب لسيد شهداء الأمة السيد حسن نصر الله (رضوان الله تعالى عليه)، والسيد الهاشمي (رضوان الله تعالى عليه)، بحيث أقرّ الجميع بأنه أكبر تشييع حصل في لبنان في التاريخ حتى الآن. بل إذا أردنا أن نحتسب النسبة المئوية بين عدد السكان وعدد الحاضرين في التشييع، ربما يكون من أعظم التشييعات التي حصلت على مستوى العالم. هذا مؤشر قوة والتفاف.
هناك الزحف الذي حصل من قبل أهلنا في الجنوب مباشرة إلى القرى الحدودية، يتحدون الإسرائيلي، ويقيمون في المكان المدمر، ويصنعون المعجزة في أن يكونوا بالصدور العارية أمام الدبابات والقدرة الإسرائيلية من دون خوف، رجالًا ونساءً وأطفالًا. هؤلاء الأعزة إلى الآن يثبتون موقعهم، يضعون المستوعبات حتى يدرسوا في داخلها ليبقوا هناك، يزرعون تحت الطيران ليبقوا هناك، يقيمون الخيم ليسكنوا بدل البيوت ليبقوا هناك. هذه قوة حقيقية من قبل أهلنا وشعبنا.
خضنا الانتخابات البلدية بتحالف متين وثيق بين حزب الله وحركة أمل، مع أهلنا وأحبتنا، وكان النجاح عظيمًا، لفت نظر الجميع: كيف لهذه البيئة وهذه الجماعة أن تكون بهذا الزخم، وأن يكون هناك نجاحات بالتَّزكية في أكثر من نصف البلدات، كدليل على التوافق والتعاون.
قمنا بحملة ترميم وإيواء ضخمة وواسعة شملت أكثر من أربعمائة ألف مسكن، وهذا يُعتبر إنجازًا ليعود الناس إلى بيوتهم ويتمكنوا من متابعة حياتهم. كل هذا باللحم الحي. أقمنا عاشوراء، فكانت أفضل إقامة من كل السنوات السابقة: عدد الحضور، قوة التفاعل، الاستعداد للتضحية، استقبال أشخاص جدد إلى هذه المسيرة، كلها كانت في عاشوراء.
حضور حزب الله السياسي كان بارزًا وواضحًا بانتخاب الرئيس، والمشاركة في الحكومة، والمشاركة في المجلس النيابي، ومتابعة قضايا الناس. حزب الله عَلَمٌ في بناء الدولة، وحضور قوي وواثق، لدينا حضور اجتماعي مهم في مساعدة الناس على المستوى الصحي والتربوي والاجتماعي ومعالجة الفقر. كل هذا يبرز حالة تماسك عظيم مع الناس.
أيضًا حصل لدينا التعافي الجهادي، ولكني لن أتحدث عن هذا الموضوع كثيرًا، سأكتفي بالقول أننا نتقدم، وأننا نُرمّم، وأننا حاضرون لأي دفاع في مواجهة العدو الإسرائيلي. كل هذه الإنجازات التي حصلت، وهي مستمرة ومتراكمة ومتصاعدة إن شاء الله تعالى، كانت في حالة تسابق مع المشروع الإسرائيلي الأمريكي.
نعم، سبقناهم، واستطعنا أن نبقى في الميدان، ولم يتمكنوا من أن يحققوا الهدف بالسياسة بعد أن عجزوا بالعسكر المباشر وبالحرب المباشرة. هنا أريد أن أقول لهؤلاء الذين لا يقرؤون، وإذا قرأوا لا يفهمون، أقول لأولئك الذين يغضّون النظر عن الهدف الحقيقي للأمريكي والإسرائيلي من لبنان، أقول لأولئك الذين يعتبرون أننا نُحلّل خطأً أن يسمعوا ماذا قالت أمريكا بوضوح، بلسان براك، المبعوث الأمريكي إلى لبنان. قال براك: ”إسرائيل لديها خمس نقاط ولن تنسحب منها. وقال: “إذا رغبت الحكومة اللبنانية إعادة الاستقرار، فعليها أن تعلن بوضوح بأنها ستقوم بنزع سلاح حزب الله”.
ثلاثة: لن نتدخل – كأمريكا – لمواجهة حزب الله، سواء من خلال قواتنا أو من خلال القيادة المركزية الأمريكية، إسرائيل ستواصل ذلك – يعطي المشروعية لإسرائيل حتى تستمر في القتال.
أربعة: لا نريد تسليح الجيش ليقاتلوا إسرائيل. إذًا، هل نسلحهم ليقاتلوا شعبهم؟ أي حزب الله؟ حزب الله عدونا، وإيران عدوتنا، نحن بحاجة إلى قطع رؤوس هذه الأفاعي ومنع تمويلها، هذه الطريقة الوحيدة لوقف حزب الله.”
ماذا تريدون بعد؟ تصريح أكثر من هذا من الأمريكان؟ يقولون يريدون أن ينزعوا قوة الحزب، يعني يريدون أن ينزعوا قوة لبنان، وإسرائيل لن تنسحب، ونتنياهو يقول: “أنا أريد إسرائيل الكبرى”. وبالتالي يريدون أن يسلّحوا الجيش فقط بهدف أن يقاتل حزب الله. أتريدون أكثر من هكذا تصريح بأن أمريكا تريد أن تنهي لبنان وتجعله ملحقًا بالكيان الإسرائيلي؟
من البداية الصورة واضحة بالنسبة إلينا، لكن بعد كلام براك صارت أوضح بكثير، وأيضًا نستطيع أن نضعها برسم أولئك الذين يشكّكون بالأهداف الأمريكية.
ثانيًا: سأتحدث عن رؤيتنا كحزب الله بسبع نقاط:
أولًا، نحن نعتبر أن الخطر الإسرائيلي الأمريكي على لبنان هو خطر وجودي على المقاومة وعلى لبنان.
ثانيًا، نزع السلاح يعني نزع القوة، تلبية لمطلب إسرائيل ولتحقيق أهدافها.
ثالثًا، لن نسمح بنزع السلاح، وسنواجه مواجهة كربلائية، لأننا في معركة وجودية، وبإمكاننا تحقيق هذه المواجهة إن شاء الله.
رابعًا، المشكلة إسرائيل، هي لن تسمح باستقرار لبنان، ونحن نرفض أي مشروع يصب في خدمة إسرائيل ولو أُلقي عليه اللبوس الوطني. أصبح واضحًا: لبنان نفّذ ما عليه من القرار 1701، فلتنفّذ إسرائيل.
خامسًا، الحكومة اللبنانية مسؤولة عن تحقيق الأولويات الأربعة جنبًا إلى جنب: إيقاف العدوان، انسحاب إسرائيل، إطلاق صراح الأسرى، إطلاق عجلة الإعمار. فلتقم الحكومة بواجبها بدل أن تتلهى بأمور جانبية قشرية لا قيمة لها.
فلتقم الحكومة بواجبها، وخاصة بإعادة الإعمار، وأن تضع في الموازنة موازنة للإعمار، مهما كانت قليلة ومهما كانت بسيطة. يجب أن تفتح الباب وأن تنطلق، وبعدها من خلال التبرعات ومن خلال الدول ومن خلال وسائل مختلفة نستطيع أن نحقق الإعمار.
وهنا على الحكومة أن تضع بند السيادة الوطنية على رأس جدول أعمالها، وأن تسعى لتحقيقها، ولا سيادة وطنية ما دامت إسرائيل تحتل شبرًا واحدًا من الأرض وتعتدي علينا ليل نهار. السيادة الوطنية هي بمنع إسرائيل من البقاء في لبنان، ونشر الجيش اللبناني إلى الحدود، ومنع إسرائيل من العدوان أو الاحتلال بأي طريقة من الطرق.
سادسًا، لبنان واحد لجميع أبنائه. نحن نحرص على الوحدة الوطنية الداخلية، لكن هناك عنوان أساس، وهو أن نكون في خندق واحد في مواجهة العدو الإسرائيلي. ونحن حاضرون ونعمل من أجل نهضة لبنان في كل المجالات.
سابعًا، يجب أن يكون لبنان قويًّا، والمقاومة أساس في قوته، نترجم الاستفادة منها في استراتيجية الأمن الوطني. هنا قد يسأل سائل: هذه النقاط السبع، كيف يمكن أن نترجمها بخطوات عملية؟ سأذكر أربع خطوات عملية:
أولًا، يجب ألا نخضع للتهديدات بالعدوان، بل أن نواجهه بالدفاع لا بالاستسلام.
ثانيًا، يجب ألا نخضع للتهديد بالحرمان من المساعدات، بل نواجه هذا التهديد بالاعتماد على إمكاناتنا، وبمواجهة الفساد في الداخل لنفسح المجال أمام انتظام المؤسسات، وأمام توجيه القدرات إلى الداخل.
ثالثًا، ندعو إلى تطبيق اتفاق الطائف الذي يقول: تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي، وبسط سيادة الدولة على جميع أراضيها، ونشر الجيش اللبناني في منطقة الحدود اللبنانية المعترف بها دوليًّا.
إذًا واضح أن المطلوب أولًا أن نحقق التحرير بكافة الإجراءات، بما فيها الاستعانة بالمقاومة، فضلًا عن الدور الأساس الذي يقوم به الجيش اللبناني. اليوم عندنا بعض النقاط في اتفاق الطائف، هذه يجب أن نقوم بالعمل لتنفيذها.
كفى تأخير لإصلاحات الطائف 35 سنة، نحن نطالب بأن نطبق المادة السابعة من البند الثاني في اتفاق الطائف: ”مع انتخاب أول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي، ومع استحداث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية، وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية.”
دعونا نعمل مجلس الشيوخ، ونعمل انتخابات على أساس إلغاء القيد الطائفي، وهو مجمد منذ 35 سنة ولا يُعمل به. نحن ندعو بالمناسبة إلى إجراء الانتخابات النيابية القادمة في موعدها وفق القانون الحالي، حتى لا نضيع هذه الانتخابات.
35 سنة وهذا لم نقم به بعد، ويأتي من يفسّر اتفاق الطائف بعد 34 سنة من التفسير أنّ “كافة الإجراءات للمواجهة” تعني أن المقاومة جزء لا يتجزأ من المواجهة، بعد تفسير 34 سنة أن المقاومة جزء، يأتي شخص في آخر هذا الزمن يقول: “لا، نحن لا نقبل المقاومة، وتفسير الطائف مختلف!” أي 34 سنة التفسير غلط؟! والآن التفسير أصبح صحيحًا أيتها الحكومة اللبنانية؟!، اذهبوا وطبقوا الذي أصبح له 35 سنة لا يُطبّق، لا تذهبوا للذي يُطبّق بشكل صحيح 34 سنة وتعتبره مخالف، ارتكبتم خطيئة في الحكومة عندما قررتم نزع سلاح المقاومة، صحّحوا هذه الخطيئة حتى يوفقكم الله على الأقل، حتى تستطيعوا العمل بشكل وحدوي نستطيع من خلاله أن نحقق الأهداف.
رابعًا، نبني بلدنا معًا، وهو لنا جميعًا. بعض الذين يقبلون وطنًا يلغي شركاءهم ويقتلهم بيد أعدائهم، حالمون وواهمون، هم يثقبون السفينة من ناحيتهم، لكنها ستغرق بالجميع. هذه سفينة، لا يستطيع شخص أن يأتي ويثقبها من محل ويعتبر أنه يعمل ما يريد، لا، هذه السفينة تغرق بالجميع، يجب أن نكون معًا حتى نحمي هذا البلد.
يريدون من الجيش اللبناني مقاتلة أهله، نحن نشد على أيدي الجيش اللبناني لمواجهة العدو الحقيقي، والوقوف إلى جانب أهله وشعبه، ونحن معه دائمًا إن شاء الله.
ننتقل إلى قضية أساسية، وهي القضية المركزية. قضية فلسطين هي القضية المركزية، والعدو الإسرائيلي هو الخطر المركزي على الجميع. اليوم تحصل الإبادة في فلسطين من أجل إنهاء القضية الفلسطينية، تمهيدًا لإنهاء كل المنطقة. في مقابلها نجد هذه الشجاعة العظيمة والثبات الكبير للشعب الفلسطيني، للمقاومة الفلسطينية، لكل الأطراف، للأطفال، للنساء.
هؤلاء عظماء في غزة، هؤلاء عظماء في فلسطين، لأنهم يواجهون نيابة عن العالم، وليس عن فلسطين فقط، يجب أن يكون العالم معهم للأسف، هم متروكون وحدهم.
اليوم إذا وقف الشعب الفلسطيني وحده، مع بعض المساعدات من محور المقاومة، من دون إمكانات، واستطاع أن يوقف مشروع إسرائيل، سنتين إسرائيل لم تستطع أن تتقدم بمشروعها، سنتين لم تستطع، كيف إذا تكاتفنا، وإذا تعاونّا؟ تعالوا نتكاتف ونتعاون، أنظمة وشعوبًا ومقاومة.
هنا لا بدّ أن نحيي بشكل واضح النموذج الشريف المقاوم والنبيل الذي رأيناه على مستوى محور المقاومة:
نحيي إيران، الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
نحيي القائد الإمام الخامنئي (دام ظله)، هذا الرجل الشجاع الرسالي الذي ضخ الأمل في الأمة، وقدم كل أشكال الدعم لفلسطين.
نحيي الشعب الإيراني، وحرس الثورة الإسلامية، والقوى الأمنية، والحكومة، وكل إيران، لأنهم بدعمهم جعلوا هذه المقاومة تقف وتصمد، وإن شاء الله ستنتصر.
نحيي أيضًا اليمن الشريف العظيم، بمظاهراته المليونية، باستعداده لدفع الثمن، والإصرار على الاستمرار في منع إسرائيل في البحر، وفي ضرب الصواريخ على داخل الكيان الإسرائيلي نصرة لغزة، وتحمل كل الأعباء.
نحيي قيادة اليمن، وشعب اليمن، والقوى المسلحة في اليمن، هذه القيادة الملهمة المتماهية مع شعبها التي تدفع الأثمان من أجل العزة والكرامة والمقاومة.
تحية إلى العراق، العراق المرجعية الشريفة، وأخص بالذكر آية الله العظمى السيد السيستاني (دام ظله)، والحشد الشعبي، والعلماء، والشعب العراقي، والحكومة العراقية، وكل هذه الأمة العظيمة، لأنهم في الواقع كانوا سندًا ودعمًا دائمًا في كل المجالات.
أما لبنان، لبنان العزيز، فهو الشعلة العظيمة التي أثّرت أثرها. أحيي لبنان بكل مقاومته، وعلى رأسها الإمام موسى الصدر أعاده الله سالمًا ورفيقه، إمام المقاومة الذي بث فينا هذه الروح، وأطلق المقاومة، مقاومة أطلقها الإمام الصدر لا يمكن إلا أن تستمر مع دماء سيد شهداء المقاومة السيد حسن نصر الله وكل المجاهدين والشرفاء.
وهنا التحية موصولة إلى حركة أمل بقيادتها دولة الرئيس نبيه بري، وكل الناس والمقاومين والمسعفين والمجاهدين والشعب، بصراحة في الجنوب وفي البقاع وفي الضاحية وفي الجبل وفي كل مكان وفي بيروت، لا يوجد فرق بين حركة أمل وحزب الله وكل المقاومين الشرفاء وكل العوائل. نحن واحد في الميدان.
كل هذا الشعب على اختلاف انتماءاته الذي أعطى للمقاومة، هو شريف نحن نحييه. نحيي كل القوى السياسية والعسكرية التي عملت إلى جانب المقاومة. هذا العدوان الإسرائيلي لن يحقق أهدافه مع هؤلاء الشرفاء في الأرض وفي المواجهة. هنا أيضًا لا بد أن نحيي تونس، لأنها تميّزت بتضامنها الشعبي الواسع وقواها السياسية المختلفة. ونحيي أيضًا الحراك العالمي لنصرة فلسطين، وأسطول الصمود، وكل الشعوب الذين قاموا وتظاهروا وعملوا.
أريد هنا أن أختم بتخصيص لجمهور المقاومة: أخص جمهور المقاومة – أقصد بجمهور المقاومة شعب المقاومة، بيئة المقاومة، المناصرون للمقاومة في لبنان وفلسطين والمنطقة - أخص جمهور المقاومة بصورته العظيمة وحضوره الميداني، أخص الرجال والنساء والأطفال، بل أتجاوز لأقول أخص الأجنة في الأرحام، وكذلك جرحى “البيجر” والجرحى والشهداء والعوائل والأسرى، وكل هؤلاء الذين شكّلوا البنية الحقيقية للمقاومة.
نحن أمام عائلة لبنانية حياتها مقاومة، من طفلها إلى شيخها، الرجل والمرأة. نحن أمام عائلة لبنانية حياتها مقاومة، رايتها مقاومة، زرعها مقاومة، وحصادها مقاومة.
أقول لكم: هذه الأرض التي روتها دماء أبناءكم، هذه الأرض التي رُويت بهذه الدماء العظيمة، ستطرد الصهاينة والأعداء، ولن تكون إلا لأهلها، هذه أرض لا يمكن أن تكون إلا لأهلها بإذن الله تعالى.
يا جمهور المقاومة، يضعونكم تحت الضغط بالاعتداءات والتهديدات، يضيقون عليكم بالإعمار وبعض السياسات الخاطئة للحكومة، ولكننا نعرفكم، أنتم أبناء السيد حسن، أنتم أبناء العزة والشرف، أنتم قدّمتم التضحيات الغالية جدًّا، أعطيتم النموذج في الإباء والعطاءات، أنتم أبناء من أعطى روحه وجسده ودمه وعطاءاته قربة إلى الله تعالى، من سماحة السيد (رضوان الله تعالى عليه) إلى كل الشهداء.
من يراكم وأنتم تحتفلون أو تجتمعون أو تصرّحون أو تقولون أو تكتبون، يشعر أنه أمامه شعلة نور هي المقاومة متجذّرة من الرأس إلى أخمص القدمين، من العقل إلى القلب، من الجسد إلى الروح، من سيهزمكم؟ لا أحد يمكن أن يهزمكم في هذا العالم. نحن واثقون بأننا معًا سننتصر، وسنري الأعداء هزيمة مشروعه إن شاء الله تعالى.
في هذا العام رفعنا شعار: “إنا على العهد”، وهو مكرّر عن شعار العام الماضي عند الشهادة: “إنا على العهد”، لماذا؟ لأن العهد لا يتوقّف، فسنبقى على العهد. ”إنا على العهد” أي نحن مستمرون، ”إنا على العهد” أي يا سيد حسن، هناك قيادات ستستمر على نهجك، وهناك شعب سيستمر على هذه الرؤى التي رسمتها. ”إنا على العهد” نجددها ثلاث مرات لنؤكد للعالم: ”إنا على العهد”. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المصدر: العلاقات الاعلامية