السبت   
   27 09 2025   
   4 ربيع الثاني 1447   
   بيروت 09:55

الصحافة اليوم: 27-9-2025

تناولت الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم السبت 27 أيلول 2025 العديد من المواضيع والملفات المحلية والاقليمية والدولية…

الاخبار:

اقتفاء الأثر

ابراهيم الأمين

لم يكن حسن عبد الكريم نصرالله من عالم آخر. حكايته الشخصية، هي نفسها التي تخص أبناء جيل تناوبت على وعيه ثلاثة عقود تلت الكارثة الإنسانية الكبرى بقيام إسرائيل. وُلد بعد عقد من النكبة الكبرى، في كنف عائلة من بيئة هجرها احتلال فلسطين، لينطلق بعد عقد آخر، باحثاً عن نفسه في خلاص ديني، ليجد نفسه، في قلب المواجهة مطلع عقده الثالث.

حسن، الشاب، الذي بحث عن سبيل مناسب للخروج من دائرة القهر الأولى، لم يختر تجارة الأهل. ولا سار خلف أقران، أخذتهم الحرب على حين غرة إلى حيث الموت المفتوح من دون سؤال عن المآلات الكبرى. وخلال سنوات نموّه السياسي الأول، فهم أنّ مواجهة الظلم والقهر، تحتاج إلى علم حقيقي. لكنه، لم يكن أصلاً في وضع يختار فيه علوماً حديثة كالتي قصدها آخرون، سواء كانوا فقراء أو من عائلات ميسورة. بل تكشف الأيام، أنّه كان يلحق بفطرة ليس معلوماً مصدرها الحقيقي. وكل التتبع لسيرته منذ صار عمره عشر سنوات، ليست كافية للإجابة عن السؤال الأهم، حول ما دفعه نحو العلوم الدينية.

لكنّ الشاب الذي غزاه الشيب، وهو يبحث عن سبل إكمال دروسه الدينية، وجد نفسه يسير بوعي، إلى حيث يقوده أثر الباحثين في علوم الدين. وعندما حط رحاله للمرة الأولى في النجف، لم يكن يخطر في باله، أنّه يواجه الامتحان الأول. كان عليه إظهار قدرته على تجاوز اختبار مطابقة العلوم المقصودة بأمور الحاضر. وكل الإيمان الذي سكنه حتى يوم استشهاده، وقناعته الكلية بوجود الله، والحياة الأخرى، لم تكن حيلة له كي يهرب من هذا الاختبار. بل هو اختار، عن وعي كامل، أن يكون إلى جانب شباب يفكرون في أحوال بلادهم وناسهم، ملتزماً مساراً آخر في رحلة اقتفاء الأثر.

لا علم لي، بمصدر فهمه لموقعه بين تلامذة العلوم الدينية، كونه من سلالة النبي وأهل بيته. لكن من عاصره في سنوات النجف القليلة، يروي أنه لم يكن متهيباً لالتزام موجبات العمامة والجبة واللباس الجديد. كان يعرف، أنه أمام مستجد سيؤثر في أشياء كثيرة في حياته. وهو الذي لم ينزع عنه الثوب الديني، إلا حيث يكون مضطراً، ومع ذلك، ظل يختبر ذاته في الاحتفاظ بكامل سلوكه الأصلي، ولو أوجبت التحديات عليه التخفي، عن أعداء أو محبّين. وفي سيرة انخراطه في العمل العام، استمرت لنحو خمسة عقود، عاش معظمها كمناضل يرتقي سريعاً سلّم المسؤوليات، ليكون أول قائد سياسي، وجنرال عسكري على هيئة رجل دين، ومسؤول عن إدارة مؤسسة تهتم لأحوال ملايين كثيرة من ناسه المنتشرين في كل الأمكنة.

حكايته الشخصية، هي نفسها التي تخص أبناء جيل تناوبت على وعيه ثلاثة عقود تلت الكارثة الإنسانية الكبرى بقيام إسرائيل

ورغم كل ذلك، فإن حنينه إلى حلمه الأول، بسلوك درب العلماء، كان يبحث عنه في أوقات يسرقها في مناسبات، وظروف، تتيح له التصرف بطريقة مختلفة. ومع ذلك، قد يكون هو رجل الدين الوحيد، من آلاف، يضطر إلى المراعاة كثيراً، ويحتاط في كل كلمة يقولها من على منبر العالم الديني، فقط، لأنّ اقتفاء الأثر الذي اختاره، وأراد للناس أن تلحق به في دربه الطويل، أوجب عليه مرة جديدة، عدم الذهاب بعيداً، في الحديث عمّا يحب من عناوين وأبحاث وأفكار…

لكن فكرة اقتفاء الأثر عند رجل مثل نصرالله، لم تعد ملكه فقط. بل صارت مع الوقت، فصلاً في حكاية طويلة، في شؤون الناس والحياة والتعبّد أيضاً. لكن صورته التي يعرفها الناس جيداً، بقيت، تلك التي تسمح لرجل، تسكنه هواجس العلاقة بالله كل الوقت، أن يبتعد كثيراً عن حرفة الناسك، وما أُتيح له من وقت، فيه مجال للقراءة، كان مناسبة ليعود إلى كتبه الدينية الأحبّ إلى قلبه وعقله، يفعل ذلك بصمت، ولا يشعر من حوله بشغفه الكبير، وعندما يعود إلى الناس خطيباً، يجهد قليلون في البحث عن الجديد في لغته، وعن المفردات الإضافية التي احتلت خطابه، وعن طريقة فهمه لعالم الغيب، وهو المسكون أيضاً، بعلوم الواقع وعلميته.

رحل السيد في لحظة تناسب كل تاريخه الشخصي. ورحل كما كان يرغب، فارساً يشهر سيفه في وجه جزّار العصر، واثقاً من قدرته على جعل موته، حقيقة يلفها الغموض. ما جعل كثيرين، يحلمون بأنّه سيطل من بين الجموع رافعاً يده، وهاتفاً بالناس، أن قوموا، حيّ على الجهاد…

قلة يجب أن تكون جريئة للتفكير في كتابة سيرة منصفة لهذا القائد، وكثرة، يجب أن تمنع أحباء أو أعداء عن المحاولة الناقصة. لكن الجمع كله، يقف قبالة صوره المنتشرة في كل الأمكنة، وصدى صوته لا يتوقف عن اقتحام الآذان أينما حل. وهو جمع، يُتاح له أيضاً، أن يفعل ما فعله بطلهم، وأن يسير الكل مجدداً، في رحلة اقتفاء الأثر. والأثر هنا، هو أثره، إنساناً لم تتعبه الدنيا يوماً لتقعده، ولم يهرب من تحديات الحياة، ولم يخف من لحظة المواجهة، فظل يسير بخطى ثابتة، نحو مصير بدا محتوماً!.

هو حسن عبد الكريم، وهو السيد حسن، وهو القائد حسن، وهو واحد من قلة، يُتاح لك أن تتذكره كل الوقت، ليس لتبتسم لحظك أن عاشيته عن قرب، بل، لأنّ الذكريات معه وعنه، هي أشبه بدليل، يجعلك واثقاً من السير بخطى ثابتة إلى مصدر النور. وهو يترك لك، أن تختار ما تراه مناسباً، فلا مشكلة إن كان الصفح عندك أقل من الحزم في مقابل أشدّاء، ولا مشكلة لك إن كنت متسامحاً، حيث ينتظر الآخرون منك القسوة مهابة وخوفاً. لكن، دليله الذي تركه بين يديك، ليس في الحقيقة، سوى الأثر الذي تركه بشهادته السريالية، هو الأثر، الذي وجب علينا اقتفاؤه إلى يوم الدين!

نهجك المقاوم باقٍ يلقف ما يصنعون

عامٌ مضى على شهادتك، والأعداء يترقبون حضورك على الدوام، وبين أيديهم وتحت تصرّفهم إمكاناتٌ هائلة، مالٌ وإعلامٌ وتقنيّةٌ ونفوذٌ وقدرةٌ عسكريّةٌ وسطوةٌ تلوي أذرعة دولٍ وحكّامٍ ومنظّماتٍ سياسيّةٍ وحقوقيّةٍ دوليّةٍ وما دون.
ورغم ذلك كلّه، نراك تصدُمُ بؤسهم ببأسِكَ المدوّي: صوتاً، مع صرخات أطفال غزّة وثباتِ أهلها ومواصلة عمليّات المقاومة ضدّ الغزاة المحتلّين والمعتدين، وفعلاً، مع تنامي إرادة الصمود والتحدّي ورفض شعبنا للخضوع.

ويُفجعهم حضورك الدائم صوتاً وصورةً، وموقفاً وتوجيهاً، وتعبئةً وتحريضاً ضدّ الظلم والاحتلال والعدوان، وحثّاً للناس على التمسّك بنهج المقاومة والتضحية والمواجهة، والصبر والنصر ورفض الضعف والخضوع والاستسلام، وشحذ الإرادات دوماً لتيئيس المعتدين من إمكانيّة تحقيق مرادهِم أو تثبيت ما قد يُمكن لهم مؤقتاً أن يُنجزوه.

ولأنّ الحرب مع الأعداء هي حرب إرادات، لا مجرّد تصادم تقنيّات وقدرات، فإنّ مخزون إرادة شعبنا المؤمن بالله عز وجلّ، هو أعظم بما لا يُقاس به، من إرادةٍ يمتلكها عدوٌ طامعٌ وفائقُ التسلّح. لكنّه جبان ضعيف الإرادة يستقوي بإمكاناتٍ تنفد ضدّ إرادة شعوبٍ موصولةٍ بالربِّ المطلق ومتوثّبةٍ بشجاعةٍ لنيل رضاه، ونصرة الحقّ والعدل، وهي عصيّةٌ على النفاد.

قد يكون التوازن بالإمكانات والقدرات التسليحيّة بيننا وبين أعدائنا أمراً صعباً في كثيرٍ من الحالات، وفي صراعاتنا بمعظمها لم يتحقق هذا التوازن ولا مرّة… لكنّ المعادل الذي يعطّل رجحان إمكانات العدو الماديّة كان دائماً هو منسوب الإرادة الفائض لدى شعبنا أو شعوبنا المظلومةِ المتحفّزةِ بإيمانها لرفع الحيف عن بلادها وأوضاعها.

وهذا المعادل التعويضي ليس مفصولاً عن شروط أخرى تتصل بحسن تقدير القيادة لموازين القوى، ومنسوب القدرات الماديّة المدّخرة والخطط البديلة الجاهزة، وعناصر وحجم الإمداد المفاجئين للعدو أثناء المواجهة.
فالمسألة إذاً، ليست غيبيّةً بالمطلق، وإنّما واقعيّة عمليّةٌ تستقوي إراديّاً وإيمانيّاً بالغيب الذي يفيضه الله سبحانه، ليثبِّت المؤمنين وليبعث الرعب وسوء التقدير لدى أعدائهم.

أهل الإيمان وحدهم هم من يمتلكون أهليّة التعامل مع هذا المُعادِل الغيبي الإيماني الذي يقيم التوازن المطلوب، ويرجِّح كفَّة المؤمنين المقاومين على كفَّة العدو تبعاً لحسن اعتمادهم هذا المعادل مع توفير الشروط الأخرى المطلوبة منهم والتي أشرنا إليها فيما سبق.
على هذا الأساس، لا يوجد في قاموس أهل الإيمان المقاومين شيء اسمه يأسٌ أو إحباطٌ أو استسلامٌ للأمر الواقع الظالم والمخزي. يوجد على الدوام تحفّزٌ لمراجعة مكامن الخلل ونقاط الضعف ومسارب تسلل العدو، من أجل تصحيحها وترميمها وإعادة التأهيل.

والقيادة الناجحة، هي تلك التي تحسن التقدير وتعتمد المعادلة المناسبة في مواجهة العدو وتراعي التكامل بين الإمكانات والقدرات من جهة وتوفِّرُ المقدّمات الضروريّة لتنزّلِ الإمداد الغيبي بلحاظ جهوزيّة مجموعة من الشروط المطلوبة أو غير الحاجبة على الأقل لتَنَزُّلِ رحمة الله ونصره على المؤمنين في تلك الموقعة وفي ذلك الظرف.

«فلمّا رأى الله صدقنا، أنزل علينا النصر وأنزل بعدوّنا الكبت». «وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ () وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا [المراجعة الذاتيّة] وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ(

■ ■ ■

هذه المعادلة للنصر ثابتةٌ لا تتغيَّر ولا تتبدّل، وإنما الذي يتغيّر أو يتبدّل هو نِسَبُ توافر الشروط الواقعيّة الماديّة والمعنويّة، وكذلك مقدّمات وشروط التدخّل الغيبي أو احتجابه. وإنَّ مواصفات القيادة المشرِفة، هي من أهم الشروط الواقعيّة الماديّة لتحقيق النصر المنشود في المواجهة.
وبقناعتنا أنّ النصر من الله يتنزّل على المؤمنين كما يتنزّل الغيثُ على الأرض، فمقاديرُ التنزّل في الأمرين، لها شروط ومتطلّبات ينبغي أن تتحقق مقدّماتها واقعيّاً…
«وإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ».

وشهيدنا الأسمى أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله شكّل المنسوب الوازن والعامل المكمِّل والمثقِّل لشروط النصرِ ومقدّماتِه وتنزُّله على المؤمنين والمظلومين والمعتدى عليهم في لبنان.
ومردّ ذلك إلى فرادةٍ جَمَعَت عدداً من الصفات النموذجيّة التي يندر اجتماعها في قائدٍ فرد.

فلقد بدا بوضوحٍ شخصيّةً قياديّةً مميّزةً ونادرةً في لبنان والعالم العربي والإسلامي، وظهر دوره جليّاً في رفع منسوب المقدّمات الواقعيّة المطلوب توافرها لِتَحَقُّقِ الانتصارات للمقاومة ضدّ العدو الصهيوني المحتلّ، جَمَعَ بين الإيمان والإخلاص وبين العلم والتفقّه والتحصيل الجاد والمعرفة للمستجدّات، وتمتَّع بذكاءٍ لافت وفطنةٍ في قراءة الواقع وتطوّراته يستندان إلى حضور ذهني متوقِّد وديناميكي، وإلى تفكير رؤيوي ومنهجي علمي في التخطيط وبرمجة الأولويّات والاهتمامات، إضافةً إلى إبداعٍ مذهل في إيجاد البدائل المناسبة واختيارها والقدرة على الإقناع واستخدام اللغة المعبّرة عن المقاصد والخافية في آنٍ لبعض المضمرات من التوقّعات والاستعدادات.

كلّ هذه المواصفات وفّرت لديه كاريزما قياديّة جاذبة واستثنائيّة مكَّنته من التصدّي للمستجدّات بكل ثقةٍ وإلمام بالاحتمالات.
وبهذه الكاريزما أمكن للأمين العام لحزب الله الشهيد الأسمى أن يعوِّض نقص المنسوب المتوافر لدى المقاومة من الإمكانات والقدرات ليتلاءم المستوى لديها، مع ما يُفترض أنّ العدو يمتلكُهُ في الضفّةِ الأخرى.

لا يوجد في قاموس أهل الإيمان المقاومين شيء اسمه يأسٌ أو إحباطٌ أو استسلامٌ للأمر الواقع الظالم والمخزي

ومما لا شكّ فيه أنّ عبء الإدارة التفصيليّة والمتابعة التنظيميّة والتنفيذيّة الذي تحمَّله معه سماحة السيد الشهيد هاشم صفي الدين، قد وفّر له جانباً كبيراً يطمئن فيه سيّد المقاومة إلى حُسن الأداء ودقّة المقاربة وإتاحة المزيد من الوقت للانشغال بالأولويّات التي تفرض عليه متابعةً حثيثةً ومتواصلة.

تكامل الدورين، شجّع عليه تكامل وتقارب الطباع والمنهجيّة في ظلّ وحدة القناعة والانتماء والإحساس بعظيم المسؤوليّة، وقيام الإخوة الآخرين في منظومة القيادة بوظائفهم المحدّدة.
لقد كان السيد الهاشمي (رض) الحفيظ الأمين والعضد المعين والمُحِبَّ المخلص والناصح، وقناة التواصل الآمنة حين تضيق السبل وتنحصر الخيارات.

وسيُنصِف التاريخ هذا السيّد الطاهر الذي دائماً ما أحبَّ الظِّل وفضَّل العملَ الجادَّ الهادئ البعيد من الضوضاء وعاش الوداعة والمحبَّة للمؤمنين والمقاومين وعائلاتهم وعائلات الشهداء والجرحى والأسرى وفقاً لسيرة قائده السيد حسن رضوان الله عليهما.

■ ■ ■

في حرب الإسناد، جَهِدَ سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله لتعويض نقص قدرات المقاومة ماديّاً ومعنويّاً. إلا أنّ أمرين أساسيين مستجدَّين أثّرا سلباً في تلك الجهود:
أولهما: حجم الانخراط الغربي الدولي المباشر والسريع، لا سيما منه الأميركي، في الحرب جنباً إلى جنب مع كيان العدو الصهيوني الغاصب، ومن دون أي تحفّظ، وهو ما كان نادر الحصول فيما مضى، ولا يفسِّره إلا الخوف الحقيقي الجدّي على بقاء الكيان ودوره المرسوم له بهدف سيطرة الغرب المستكبر على المنطقة.

ثانياً: حجم التقدّم التقني ولا سيما السيبراني الذي حازه العدو أخيراً، ومكّنه مع انضمام إمكانات الغرب عموماً ومخزون دوله الاستخباريّة والمعلوماتيّة، وتيسير سبل العدو للاستفادة منها، أن يحقق انكشافاً كبيراً للمقاومة كان يصعب عمليّاً حجبه أو إخفاؤه عن العدو في تلك المدة.

هذان الأمران حاول الشهيد الأسمى أن يقلل من مخاطرهما قدر المستطاع، لكن حاكميّة المعادلة الموضوعيّة وسنّة الله في الوقائع والتاريخ، أقوى من أن تُردَّ أو تُتجاوز.

لقد استُشهِدَ سماحته وترك للمقاومة إرثاً جهاديّاً زاخراً يمكنّها بعون الله من ترميم أوضاعها وتصويب نقاط الخلل والثغرات التي انكشفت لديها أثناء المواجهة. وحمّلها مسؤوليّة المراجعة والامتثال لقوله تعالى: «وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا [سيّما عند المراجعة] وإسرافنا في أمرنا».

أوّل مهمات المقاومة ومسؤولياتها اليوم بعد إكمال مراجعتها الدقيقة والشاملة. المسارعة إلى ترميم قدراتها على المستويات كافّة، وإعادة النظر في خططها لمواجهة العدو الصهيوني في ضوء ما نجم عن غزوته الأخيرة، وما أحدثته من مناخات سياسيّة وأمنيّة في لبنان والمنطقة والعمل بأقصى المستطاع على ردم الهوّة التي خلّفها استشهاد السيد الأسمى حسن نصر الله على المستوى التنظيمي والتعبوي والمعنوي والاستنهاضي ومعالجة تأثير ذلك في العلاقات السياسية مع الحلفاء والخصوم والأعداء، وإعادة التوازن المطلوب لمواصلة السير باتجاه إسقاط أهداف الكيان الصهيوني وإحباط مشروعه المتنمِّر في هذه المرحلة.

إنّ المقاومة الإسلاميّة التي تواصل اليوم تحمُّلها لمسؤوليّتها الجهاديّة بدأبٍ وسرعة، وتقوم بدورها المطلوب دوماً وبحكم الضرورة والمعطيات الواقعيّة في بلدٍ كلبنان، لن يمنعها عن أداء واجبها الوطني والإنساني كلُّ المعوّقات السلطويّة المشينة والمستجيبة لإملاءات العدوّ وحلفائه الداعمين لاعتداءاته، وهي إذ تنهض بهذا الدور فإنّها تمارس حقّها الإنساني والأخلاقي والدولي والحقوقي والدستوري والميثاقي خلافاً لكل الفذلكات والترّهات القاصرة التي ساقها المتورّطون لتبرير تنكّرهم لفضل المقاومة ولإنجازاتها، ولتجميل إذعانهم وقُبح فِعلتهم واستخفافهم بوجوب السعي بسرعة إلى ترميم القدرات الوطنيّة وتعزيزها في مواجهة العدو، ومسارعتهم المريبة إلى تقديم مراسم الخضوع والسقوط أمام إرادة العدو الصهيوني وطغيانه الذي ستنكسر شوكته حكماً وستلقَفُ عصا المقاومة كلّ أفاعي المعتدين والمسوّقين لمشاريعهم.

وبكل شجاعة وصراحة، ينبغي أن ندرك أنّ العدو الصهيوني إذ يستظلّ بحماية ودعم الإدارة الأميركية الطاغوتيّة، على كل المستويات، تجاوز مستوى الإحساس بالقدرة على غزو عواصم المنطقة وتأديب سلطاتها، إلى مرحلة الحرص المتنامي على مواصلة إذلال شعوبنا العربيّة والإسلاميّة حتى يصبح أكبر همّها الحصول على لقمة العيش بعد الإذعان والتسليم للعدو بسطوته الأمنيّة والعسكريّة وبقدرته على تقرير مصير المنطقة وبلدانها.

إسقاط هذا العلُوّ الذي يتملَّك اليوم الصهاينة المحتلّين، هو واجب كل الشرفاء والأحرار في منطقتنا والعالم… ومنطق التاريخ يؤكد أنّ التمادي في الاستعلاء هو أسرع سبيل نحو الارتطام بالهاوية.

ختاماً، يبقى التأكيد على أنّ ما يعزّز الثقة والأمل أيضاً هو يقينُ شعبنا وأبناء أمّتنا بحقوقهم المشروعة والتزامهم بالخيار المقاوم والمجدي في الدفاع عن أوطانهم وحماية سيادتها ضدّ كيد الأعداء الطامعين من جهة، ورفضهم الشاجب والمتصدّي لمقولات كل من ركِبَ مركب الخذلان والانهزام والتطاول على المقاومين والطعن بشرعيّة سلاحهم تملّقاً للعدو وأسياده وانصياعاً لإملاءات المطبِّعين والساعين إلى فرض وصايتهم على بلادنا وسياساتها.

  • رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد

السيد نصر الله وسوريا: عن صوابيّة القرار الإستراتيجي

في الذكرى الأولى لغياب العقل الإستراتيجي الذي أرّق الإمبراطورية لعقود، السيد حسن نصر الله، يفرض الواجب والإخلاص للرجل أن نتجاوز كل تكريم مستحقّ ونسعى إلى نقد ملامح من تجربته والبناء عليها. نطمح اليوم إلى تقييم قراره الأكثر جذرية وإثارة للجدل في أوساط جمهور عربيّ عبثت الإمبراطورية بوعيه: أي التدخل العسكري المباشر في الحرب السورية.

بعيداً من البروباغندا التي صوّرت التدخل كـ «دفاع طائفي» أو «مغامرة إيرانية»، وعن التبجيل الذي يرفعه إلى مصاف الفعل «المقدس»، فإن التحليل المادي للوقائع بعد الثامن من كانون الأول (ديسمبر) 2024 الأسود يقدّم قراءة مختلفة جذرياً: لم يكن التدخل خياراً، بقدر ما كان ضرورة تاريخية فرضتها شروط الصراع المادي مع الكتلة الإمبراطورية التي قادت الحرب المتعددة الأبعاد لإسقاط الدولة السورية بتموضعها العروبي.

لقد ثبت أن قرار السيد كان التعبير السياسي والعسكري الواعي عن هذه الضرورة، أكثر منه صناعة للتاريخ بمزاج «القائد ــ الفرد». هذه محاولة لمساءلة «صوابية» القرار بحكم الوقائع المادية، وعبر تفكيك بنية الصراع، ليس فقط على مستوى الخطاب، بل وصولاً إلى مستوى البنية التحتية للجغرافيا والاقتصاد وموازين القوى.

البنية التحتية للمقاومة: الجغرافيا كشرط مادي للوجود
لا يمكن لأي نضال تحرري أن يستمرّ بلا «بنية تحتية». ذلك أنّ الأيديولوجيا – كبنية فوقية – ما تلبث أن تذوي إذا لم تسندها «اللوجستيات» (البنية التحتية). بالنسبة إلى المقاومة الوطنيّة اللبنانية، سوريا العربيّة هي كل شيء: الرئة الجغرافيّة، والعمق الإستراتيجي، والممر البري الوحيد الذي يكسر الحصار الإسرائيلي ــ الغربي ــ العربي المحكم بحرياً وجوياً.

كانت الإستراتيجية الإمبريالية في الحرب ضد سوريا، ونُفذت بخبرات شبكة أجهزة الاستخبارات الغربيّة والعربيّة، والبترودولار الخليجي، والغطاء العسكري/ اللوجستي التركي (فصيل الناتو بالجوار) ترمي إلى تطبيق مبدأ «الأناكوندا»، أي الخنق. لم يكن الهدف أبداً إسقاط الرئيس بشار الأسد كشخص، بل تدمير «الدولة المركزية» السورية وتفتيت مكوناتها في إطار إستراتيجية الأمن الإسرائيلي، ما كان سيترجم تقطيعاً للأوصال المادية لمحور المقاومة. ولذلك، فإن السيطرة على جبال القلمون ومعبر المصنع أو قطع طريق دمشق ــ حمص لم تكن معارك تكتيكية، بقدر ما كانت معارك وجود إستراتيجية للمقاومة لا مناص من كسبها.

يدرك الخبراء الإسرائيليون هذه الحقيقة المادية أكثر من غيرهم. ودائماً ما أكدت تقارير «معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي» (INSS) أنّ «الحلقة الأضعف والأكثر أهمية في المحور الراديكالي هي سوريا. إن كسرها يعزل «حزب الله» عن إيران ويدخله في حصار قاتل». كان نصر الله يقرأ الخريطة المادية ذاتها. لقد أدرك أنه إذا سقطت سوريا، فإن المقاومة في لبنان ستتحول إلى «غيتو» محاصر، وتصفيتها تصبح مسألة وقت. هنا، كان التدخل في الحرب دفاعاً لازماً عن شرايين المقاومة بوسائل عسكرية ضرورية في غياب أي خيارات سياسية، إلا إذا اعتبرنا انتظار الكارثة سياسة.

سوريا كنقيض موضوعي للدولة العبرية
في جدلية الصراع الوجودي في شرق المتوسط، تُمثّل «الدولة العبرية» (إسرائيل) مشروعاً استعمارياً إحلالياً، وظيفته الأساسية العمل كرأس جسر متقدم للإمبريالية الأميركية يضمن تدفق الطاقة ويحجز نشوء أي قوة سيادية إقليمية. في المقابل، شكّلت سوريا، بغض النظر عن طبيعة أيّ مأخذ بشأن نظامها، «النقيض الموضوعي» لهذا المشروع. لماذا؟ لأنها الدولة المركزية الوحيدة على خط المواجهة التي حافظت على حالة عداء بنيوي ضد الكيان العبري، ورفضت التسويات، ودعمت قوى التحرر (اللبنانية والفلسطينية والعراقية)، ولديها الشرعية التاريخية لتكون نواة لسوريا كبرى توحّد إقليماً مزّقته اتفاقيات سايكس بيكو.

بالنسبة إلى إسرائيل، كانت الحرب السورية فرصةً تاريخية ذهبية لتنفيذ «عقيدة البلقنة»

عندما تكثفت حرب الإمبراطورية الطويلة على سوريا منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر) 1973، كان الهدف واضحاً ومحدداً ودقيقاً: تدمير هذا «النقيض». شعارات «الديموقراطية» وإسقاط «الاستبداد» لم تكن سوى سُتُرٍ لاقتراف إثم «البلقنة»: أي تطبيق نسخة محدثة من إستراتيجيات التفتيت التي حلم بها غلاة الصهاينة (مثل خطة ينون)، والقائمة على تحويل سوريا الموحدة إلى فسيفساء من الكانتونات الطائفية والعرقية المتحاربة. دولة علوية في الساحل، وكردية في الشمال الشرقي، ودرزية في الجنوب، وإمارات سلفية ــ جهادية في الوسط، تضمن جميعها أمن إسرائيل الدائم، وتنهي فكرة «الصراع العربي ــ الإسرائيلي» بتحويله إلى «صراعات جوار عربية ــ عربية».

لقد رأى السيد هذه الصورة المادية. إن ترك سوريا للتفتيت يعني القضاء التام على القضية الفلسطينية عبر تدمير آخر حاضنة دولاتية لها. كان قراره بالتدخل هو الموقف الضروري للحفاظ الماديّ على «دولة موحدة» كنقيض بنيوي للمشروع الاستعماري، وهو ما يحفظ بدوره إمكانية استمرار الصراع المركزي الرمز للأمة العربيّة: فلسطين.

في مواجهة الإمبرياليات الفرعية
لا تعمل الإمبراطورية (المركز الأميركي) بأدواتها الذاتية فقط، بل تُنشئ وتُوظف إمبرياليات فرعية لتنفيذ أجنداتها في مختلف الأقاليم، وتمتلك بدورها طموحاتها الخاصة. كانت الحرب السورية نتاج تقاطع جهود ثلاث إمبرياليات فرعية:

  1. العثمانية: لم تكن تركيا (العضو الرئيسي في الناتو في المنطقة) مجرد ممرّ وقاعدة تجهيز ودعم لوجيستي للمجاهدين – والمجاهدات – الذين ترسلهم شبكة الاستخبارات العالمية للقتال في سوريا. لقد كانت لاعباً فاعلاً له أهدافه الخاصة باقتطاع شمال سوريا ومدّ نفوذها جنوباً لاستعادة (أملاك) الإمبراطورية العثمانية البائدة، بما يتضمنه ذلك من نفوذ ثقافي، وهيمنة اقتصادية.
  2. المشيخات الخليجية: ضخت السعودية وقطر وجهات فاعلة في الكويت والإمارات والبحرين المليارات لتمويل قوى وكيلة، تحديداً التنظيمات السلفية ــ الجهادية («داعش»، «النصرة»)، بهدف تلبيس الصراع ثوباً طائفياً بحتاً، لأن مستشرقي الاستخبارات الغربيّة كانوا يدركون تماماً أن الخطاب الطائفي العنصري هو الأداة الأيديولوجية الأقدر على تبرير تدمير دولة قومية نقيضة للمشروع الصهيوني في الشرق.
  3. الدولة العبرية: وهي الإمبريالية الفرعية الوظيفية والأكثر تشابكاً عضوياً بالمركز الأميركي. بالنسبة إلى إسرائيل، كانت الحرب السورية فرصة تاريخية ذهبية لتنفيذ «عقيدة البلقنة» (التفتيت) الإستراتيجية؛ بما يمثل الضمانة الأمنية المطلقة للدولة العبرية لعقود قادمة، وفاتحة تشييد حلمها الأسطوري بدولة كبرى من النيل إلى الفرات. لم تكتفِ إسرائيل بالمراقبة، بل انخرطت في الحرب على سوريا بشكل مزدوج: أولاً، عبر التدخل العسكري المباشر بشن آلاف الغارات الجوية التي استهدفت إستراتيجياً إضعاف قدرات الجيش السوري وتدمير البنية التحتية العسكرية لمحور المقاومة على الأرض السورية.

وثانياً، عبر إدارة «حرب وكالة» مصغّرة على حدود الجولان، بتقديم الدعم اللوجستي والطبي وحتى التسليحي المباشر لجماعات مسلحة (بما فيها عناصر من جبهة النصرة واجهة الإخوان المسلمين) وبالتعاون مع الاستخبارات الأردنية، بهدف خلق «منطقة عازلة» تسيطر عليها قوى غير معادية لها، وتُبعد فوضى ما بعد الدولة السورية عن خطوط أمنها. لم تكن إسرائيل معنية بانتصار «الديموقراطية» البلهاء ولا حتى انتصار حلفائها «الجهاديين الإسلاميين»، بل إنهاء سوريا كدولة مركزية قوية وموحدة.

إن بديل تدخل «حزب الله» في سوريا لم يكن انتصار «ثورة شعبية» تنفذ انتقالاً «ديموقراطياً»، بل تعجيل بانتصار حتمي لتقاطع فضاءات عمل الإمبرياليات الفرعية الثلاث التي يقود المركز الأميركي أوركسترا عزفها. هنا، كان قرار السيد انخراطاً واعياً في الموقع الصحيح عروبياً وأممياً؛ ليس دفاعاً عن نظام، بل صوناً لـ «وحدة الدولة ــ الأمة السورية» ضد مشاريع التفتيت الطائفي والتوسعات الإمبريالية الفرعيّة. لقد كان تدخلاً «ضد الطائفية» في نتائجه الموضوعية، قاتل الأدوات التي استخدمت الطائفية كسلاح لتدمير النسيج الاجتماعي والدولة الجامعة في سوريا.

القفزة الجدلية: من «المحلية» إلى «الأممية»
طوال عقود، كان النقد الموجه لـ «حزب الله» (حتى من داخل اليسار) هو «انغلاقه» ضمن الهوية الطائفية أو «المحلية» اللبنانية. لقد فرضت الحرب السورية، بقسوتها المادية، قفزة ديالكتيكية حطمت هذا القيد. الصراع في سوريا لم يكن حرباً أهلية، بل كان حرباً «عالمية» بالوكالة على أرض سوريا. وتدفق عشرات آلاف المقاتلين «الأمميين» (الإسلاميين) من حوالى ثمانين دولة، بتمويل دولي وإقليمي، لتنفيذ مشروع الإمبريالية. هكذا حرب عالمية الطابع، لا يمكن مواجهتها إلا بـ «أممية مضادة».

قرار السيد بخوض الحرب في سوريا نقل حركته من مستوى «حركة تحرر وطني» محلية إلى مستوى «فيلق أممي» يقاتل في الخطوط الأمامية للحرب العالمية ضد الإمبراطورية. لقد خرج، باقتدار عقلٍ إستراتيجي جبّار، من «غيتو» الطائفة ومحدودية الكيان اللبناني ليخوض «حرب مواقع» (بلغة غرامشي) على امتداد الجغرافيا الإقليمية. وكما صاغها السيد بنفسه في خطاباته الأولى عن مغزى التدخل: «إذا لم نقاتلهم في دمشق والقلمون، فسنقاتلهم في بعلبك والهرمل والضاحية». تلك لم تكن محض بلاغة رجل بليغ، وإنما تعبير دقيق عن فهم مادي لـ «وحدة الجبهات» التي فرضها العدو.

النواة اللغوية: نصر الله كـ «مثقف عضوي» في حرب السرديات
علّمنا المفكر الماركسي الإيطالي أنطونيو غرامشي أن الهيمنة لا تُبنى بالقوة العسكرية والقمع فقط، بل بـ «الإجماع» الثقافي والإعلامي (البنية الفوقية للمجتمعات). لقد شنت الإمبراطورية وآلاتها الإعلامية (الغربية والخليجية) حرباً أيديولوجية ساحقة، مستخدمة قواميس «حقوق الإنسان» و«الديموقراطية» و«الثورة» للتغطية على الهدف المادي الحقيقي: تدمير سوريا وبلقنتها. في مواجهة هذا الطوفان المضلل، وفي ظل محدودية قدرة إعلام الدّولة السورية على التصدي له، كان السيّد الجبهة الإعلامية وحده، مثقفاً عملاقاً يقدم «السردية» المضادة. سردية لا تستعين على البروباغندا الغربيّة/ العثمانية/الخليجية/ الإسرائيلية ببروباغندا بديلة، بل بـ«تحليل مادي» مقدم للجماهير بلغتها.

لقد كان الوحيد تقريباً الذي فكك المشهد على حقيقته للعموم: ربط القتال في القصير بالدفاع عن القدس؛ وشرح أن البديل عن الدولة لن يكون «الحرية» بل «داعش وأخواتها»؛ وفضح الأهداف الجيوسياسية المتعلقة بخطوط الغاز في المتوسط. لقد خاض كفارس نبيل «حرب مواقع» لغوية، ونجح في كسر «إجماع» الإمبراطورية، مقدماً تبريراً أيديولوجياً متماسكاً للقتال، ليس باعتباره دفاعاً طائفياً، بل كضرورة وجودية في قلب الصراع الأممي ضد الإمبريالية.

صوابية الضرورة المادية
في الذكرى الأولى لغيابه، يؤكد التحليل المادي أنّ قرار حسن نصر الله بالتدخل في سوريا لم يكن «صائباً» لأنه كان «أخلاقياً» (فالحروب بطبيعتها قذرة ومدمرة)، بل كان صائباً لأنه كان «الضرورة المادية» الوحيدة المتاحة. البديل كان الانتحار الإستراتيجي والقبول الطوعي بتصفية المقاومة وتفكيك المحور، والسماح للإمبراطورية وحلفائها (إسرائيل وتركيا والرجعية الخليجية) برسم خرائط شرق المتوسط كما يحلو لهم.

نجح تدخل السيد، بكلفة بشرية ومادية هائلة، في تحقيق هدفه المادي حينها: تأجيل «البلقنة»، وحماية البنية التحتية اللوجستية للمقاومة، وإبقاء «النقيض الموضوعي» لإسرائيل حياً كدولة موحدة ذات سيادة. لقد أثبتت الوقائع المادية اللاحقة بعد مقايضة الحليف الروسي صفقة في أوكرانيا بسوريا وتسليم دمشق للغزاة، أن المعركة كانت، كما وصفها السيد نفسه، «أم المعارك» الوجودية لمحور مناهضة الإمبريالية بأكمله. وقد خسرناها، بشرف، ولم نسلّم تسليم الأذلاء.

اللواء:

يوم التضامن مع سلام من قريطم إلى السراي الكبير

مكاشفة مع وزراء الدفاع والداخلية والعدل.. وملاحقة المخالفين لقطع دابر الفتنة

بعد يوم على خطيئة انتهاك اتفاق إحياء ذكرى استشهاد الأمينين العامَّين لحزب الله السيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، أمام صخرة الروشة من دون إضاءتها، تركزت المشاورات على أعلى المستويات حول كيفية حفظ هيبة الدولة وعدم عرقلة خطة الحكومة لحصرية السلاح، وبسط سلطة الدولة على كامل اراضيها بقواها الذاتية.
واشارت مصادر سياسية مطلعة لـ «اللواء» الى أن انعقاد مجلس الوزراء سيتم بعد عودة الرئيس عون من نيويورك .
وقالت ان من ابرز مواضيع البحث ما جرى بالنسبة الى إضاءة صخرة الروشة وما جرى في أعقابها وقد يكون تقرير قيادة الجيش حول خطة حصرية السلاح قد انجز وليس معلوما اذا كان سيحضر للنقاش او الإطلاع عليه .
كذلك من المرتقب ان يُطلع الرئيس عون المجلس على مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
والأبرز ان الرئيس نواف سلام، الذي تحوَّل الى مرتكز النشاط امس اكد انه ليس في وارد التراجع عن موقفه، وقال: أنا لم اعتكف، ولم استقل بل الغيت مواعيدي للتفرغ الى متابعة ما حصل بالأمس، والبحث في الخطوات اللاحقة.
واكدت المعلومات ان رئيس الحكومة يريد ان يعرف لماذا تم تجاوز بنود الترخيص للتجمع في الروشة.

يوم تأكيد حق الدولة بإنفاذ قراراتها

وقررت الحكومة الاستمرار في تطبيق القوانين وملاحقة المخالفين، وحسب المعلومات قد يتم استدعاء مسؤولي جمعية «رسالات» التي قدمت طلب الحصول على ترخيص اقامة الفعالية، وثمة من قال انه يمكن استدعاء مسؤول لجنة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا لو تم تحديد أي مسؤولية عليه في مخالفة الترخيص وتعميم رئيس الحكومة، لكن مصادر حزب الله اكدت مجدداً ان الطلب لم يتضمن تعهداً بإضاءة او عدم اضاءة صخرة الروشة قام بالإجراءات الادارية لحصول التجمع فقط.
وعلى صعيد فعالية اضاءة صخرة الروشة، أفادت معلومات بأن هناك توجهاً رسمياً لسحب رخصة جمعية «رسالات» المقربة من حزب الله التي قدمت العلم والخبر لإقامة الفعاليات، بسبب عدم التزامها بالشروط القانونية، وذلك بعد قيامها بإضاءة صخرة الروشة.
وفي سياق متصل، أعلن وزير العدل عادل نصار ان «النيابة العامة تحرّكت بناءً لمراجعتي والقضاء لا يعمل في السياسة بل في القانون، والقانون يُطبّق على الجميع من دون استثناء».

لقاءات سلام

واستقبل الرئيس سلام في دارته في قريطم نائب رئيس الحكومة طارق متري، الوزير غسان سلامة، الوزير شارل الحاج، الوزير كمال شحادة، والنواب مروان حمادة، سامي الجميل، ابراهيم منيمنة، مارك ضو، وليد البعريني، فراس حمدان، ميشال معوض، اديب عبد المسيح، ميشال الدويهي، ورئيس تجمُّع العشائر العربية بدر عبيد. وجرى التداول في الخطوات المطلوبة بعد ما حصل خلال الإحتفالية.وادلى النواب بمواقف مؤيدة لرئيس الحكومة وإجراءاته لاسيما استعادة دور وهيبة الدولة ووجودها وقرارها.
ونُقِلَ عن سلام قوله لزواره: أنا لم أعتكف ولم أستقل بل ألغيت مواعيدي (امس) للتفرغ لمتابعة ما حصل (خلال إضاءة صخرة الروشة) والبحث في الخطوات اللاحقة. وانه أكثر تصميماً واندفاعاً باستمراره في تحمُّل المسؤوليات، والتصدي لكل من يستمر في تجاوز الأصول الدستورية والتنكر لاتفاق الطائف ومخالفة الأنظمة والقوانين المرعية الإجراء.
كما عقد سلام إجتماعاً في السرايا الحكومية مع كلٍّ من وزير الداخلية والدفاع والعدل للبحث في الاجراءات القانونية، تلاه لقاء تشاوري مع كافة الوزراء لمراجعة العمل الحكومي.

اللقاء التشاوري لتطبيق القانون

استمر الاجتماع الوزاري التشاوري، حتى السادسة مساء، وحضره نائب رئيس الحكومة طارق متري ووزراء: المال ياسين جابر، الثقافة غسان سلامة، الدفاع ميشال منسى، السياحة لورا الخازن، الشؤون الاجتماعية حنين السيد، الاقتصاد والتجارة عامر البساط، المهجرين وشؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي كمال شحادة، الداخلية والبلديات أحمد الحجار، العدل عادل نصار، الاتصالات شارل الحاج، التربية ريما كرامي، الصناعة جو عيسى الخوري، العمل محمد حيدر، الأشغال العامة والنقل فايز رسامني، الزراعة نزار هاني، والإعلام بول مرقص، والأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية.
ووفق المعلومات، فإن وزراء الصحة ركان ناصر الدين والبيئة تمارا الزّين والتنمية الإدارية فادي مكي لم يحضروا الاجتماع لارتباطات مسبقة كما قالوا وليس من باب مقاطعة الجلسة.
بعد الاجتماع، أدلى نائب رئيس الحكومة طارق متري بالبيان الآتي: «تداعينا لعقد لقاء وزاري حول الرئيس نواف سلام تأكيدًا لتضامن الحكومة، رئيسا وأعضاء، وللتشديد على السياسة التي التزمت بها في بيانها الوزاري والقائلة ببسط سيادة الدولة اللبنانية بقواها الذاتية على أراضيها كافة. وأكدنا أيضا أهمية تطبيق القوانين على جميع المواطنين من دون استثناء، وهو ما ترتب على الأجهزة الأمنية مسؤولية كبيرة في تحقيق ذلك، فاللبنانيون سواسية أمام القانون، والدولة لا تميز بين مواطن وآخر، ولا بين مجموعة مواطنين وأخرى.
اضاف:إن ما جرى بالأمس من مخالفة صريحة لمضمون الترخيص المعطى للتجمع في منطقة الروشة يدعونا إلى اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للحفاظ على هيبة الدولة وإحترام قراراتها. وغني عن القول أن الحكومة حريصة على استقرار البلاد ووحدة ابنائها، وقطع دابر الفتنة ووقف حملات الكراهية التي تسيء الى عيشنا الوطني.
وفي سياق دعم مواقف سلام، قال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في بيان: نحيي رئيس الحكومة على مساعيه المستمرة لقيام الدولة المنشودة، ونتمنى عليه أن يواصل جهوده، التي ستؤدي في نهاية المطاف إلى تحقيق الهدف، آخذين في الاعتبار أنّ التاريخ يتقدّم دائمًا إلى الأمام ولا يعود إلى الوراء.
اضاف: والمطلوب الآن من الأجهزة الأمنية والقضائية استدعاء المسؤولين قانونًا عن الترخيص المعطى للتجمّع والتحقيق معهم، لتبيان من يقف وراء خرق شروط الترخيص، سواء لناحية المشاركين غير المصرَّح بهم، أو لناحية قطع الطرقات، أو لناحية إضاءة صخرة الروشة بشعارات وصور حزبية.كما أنّ المطلوب من الوزراء الأمنيين المعنيين إجراء التحقيقات الداخلية اللازمة كلّ في وزارته، لتحديد المسؤوليات وسدّ الثغرات.
واجرى شيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ الدكتور سامي ابي المنى إتصالاً هاتفياً بالرئيس سلام مؤكداً على «روح المسؤولية الوطنية التي يتمتع بها دولة الرئيس، ومتمنياً الارتقاء إلى مستوى المرحلة التي يمر بها لبنان اليوم، والتي تقتضي مقاربتها وتداركها بأعلى درجات الحكمة والصبر».

منسى ومهمة الجيش

ورداً على اتهامات الجيش بالتقصير ومطالبة البعص بمحاسبة المسؤولين عماجرى في الروشة، أعلن مكتب وزير الدفاع الوطني اللواء ميشال منسى في بيان، «ان المهمة الوطنية الاساسية التي يضطلع بها الجيش اللبناني دائما هي درء الفتنة ومنع انزلاق الوضع الى مهاوي التصادم وردع المتطاولين على السلم الاهلي وترسيخ دعائم الوحدة الوطنية».
وقال: لقد بذل الجيش اللبناني الدماء والارواح والاصابات والاعاقات في سبيل الارض والعلم والكرامة وشرف الانتماء لهذا الوطن، ولم ينتظر شكوراً ولا زهوراً من احد، لكن كرامة عسكرييه وضباطه الفخورين الجسورين الميامين تأبى نكران الجميل وتأنف التحامل الظالم، وتأسف لالقاء تبعات الشارع على حماة الشرعية والتلطي وراء تبريرات صغيرة للتنصل من المسؤوليات الكبيرة.
وختم: ان للجيش اللبناني وطناً يصونه، ورئيساً يرعاه، وقائداً يسهر عليه، وشعباً يحبه ويرى فيه الامل الباقي بعد الله ولبنان.
بالمقابل، اعلن عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي عمارانه كان بالأحرى لهذه الحكومة ولهذه الدولة أن تقف موقفاً مسؤولاً حكيماً حيال هذا النشاط، لأنه إن كان يعبّر عن شيء، فإنما يعبّر عن عنفوان وعزة وكرامة وسيادة هذا الوطن، والتي تتمثل في سيرة وحياة وجهاد السيدين الشهيدين، لا أن نسمع كلمة من هنا وهناك، أو نرى اعتكافاً بلا معنى وبلا مبرر لرأس هذه الحكومة.
واعتبر النائب عمّار أن «اعتكاف رأس هذه الحكومة اعتراضاً على ما حصل بالأمس في الروشة، يعني أنه في موقف سلبي لا يحسد عليه»، متوجّهاً الى رئيس الحكومة بالقول: أنت قبل كل شيء رئيس حكومة كل لبنان، وأنت المسؤول عن سيادة هذا البلد والإجراء فيه، خصوصاً بعد أن أناط الطائف كل المسؤوليات الإجرائية والتنفيذية بالسلطة التنفيذية، أي الحكومة.
ويحيي حزب الله اليوم ذكرى استشهاد نصر الله، وتوافدت مساء امس جموع المناصرين الى ضريحه على طريق المطار، فيما أفادت السفارة الايرانية في بيروت بأن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني، سيزور لبنان غدًا السبت للمشاركة في إحياء ذكرى السيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين. وستكون له لقاءات مع عدد من المسؤولين.

جلسة التشريع

ينعقد مجلس النواب الاثنين بجلسة تشريعية لبحث جد ول اعمال من 17 بندا، ابرها:مشروع القانون الوارد بالمرسوم رقم ١٣٣٥ الرامي إلى طلب الموافقة على إبرام إتفاقية قرض بين الجمهورية اللبنانية والبنك الدولي للإنشاء و التعمير لتنفيذ مشروع المساعدة الطارئة للبنا ن. و إقتراح القانون الرامي إلى تعديل المادة ١٢ من القانون رقم 22 تاريخ 11/7/2025، القاضي بمنح المتضررين من الإعتداءات الإسرائيلية على لبنان بعض الإعفاءات من الضرائب و الرسوم و تعليق المهل المتعلقة بالحقوق والواجبات الضريبية و معالجة أوضاع وحدات العقارات وأقسامها المهدمة.
وسبق ونشرت «اللواء» جدول الاعمال قبل يومين.وهو لا يتضمن اي اقتارح او مشروع حول تعديل قانون الانتخاب، الامر الذي يرتقب ان يثير سجالات في الجلسة وربما انسحابات للنواب الموقعين على اقتراح اقتراع المغتربين.
ونقل عن وزير الاعلام بول مرقص بعد الاجتماع مع الرئيس بري في عين التينة تأكيده على اهمية اقرار مطالب متقاعدي القطاع العام.
على الأرض، واصل الاحتلال الاسرائيلي تصعيد اعتداءاته على لبنان وخرق اتفاق وقف اطلاق النار، فاستهدفت غارة إسرائيلية من الطيران الحربي الاسرائيلي، محيط بلدة النبي شيت في مرتفعات الشعرة والخريبة.
ولاحقا، أعلن المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، عبر منصة «اكس» أن «الجيش هاجم موقعًا لانتاج صواريخ دقيقة تابعاً لحزب الله الإرهابي في منطقة البقاع بلبنان».
وأضاف: وجود الموقع الذي استهدف يشكل انتهاكًا للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان. سيواصل جيش الدفاع العمل لإزالة أي تهديد على دولة إسرائيل.

البناء:

نتنياهو يتحدّث عن الحرب في قاعة فارغة… والقناة 13: العالم يبصق في وجوهنا

التمسك الإسرائيلي بالسيطرة على الأجواء يعرقل الاتفاق مع سورية بعد قلق تركيا

د.غالي من سفينة دير ياسين في أسطول الصمود: نقترب من الساعات الحاسمة

كتب المحرّر السياسيّ

بينما بدأت الدوائر الأميركية تسرّب تفاصيل المشروع الذي يتبناه الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب في غزة، معتمدة على وسائل إعلام إسرائيلية في التسريب، بانتظار لقاء الاثنين الذي يجمع ترامب برئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، كان كل شيء يشير إلى ساعات حاسمة تنتظر الوضع في غزة، حيث اليمن يواصل إرسال صواريخه وطائراته المسيرة مسبباً ذعراً استثنائياً في داخل الكيان، ينتظر أن يتحول إلى كثافة إضافية في أعداد المتظاهرين المطالبين بوقف الحرب، وحيث الشوارع الغربية الضاغطة لصالح وقف الحرب وإدانة الجرائم الإسرائيلية في غزة لم تعُد أوروبية، وقد وصلت رياح التغيير إلى الحزبين الديمقراطي والجمهوري وبدأت تضغط عشية بدء السنة الانتخابية على مواقف الرئيس ترامب للتخلص من عبء الحرب التي باتت بلا أفق، لكن واشنطن الساعية للتخفف من أعباء الجرائم الإسرائيلية سوف تبذل كل جهدها لتحقيق أعلى نسبة من مطالب إسرائيل مستقوية بضعف الموقف العربي واستعداده للمشاركة في حصار المقاومة، في فلسطين كما في لبنان.
في هذا المناخ ألقى نتنياهو كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في قاعة فارغة، مع انسحاب أغلب الوفود من القاعة، بما وصفته القناة 13 العبرية بقولها إن العالم لا يبصق في وجه نتنياهو وحده بل في وجوهنا كلنا، إنها بصقة في وجه “إسرائيل”، وقد أعاد نتنياهو تأكيد رفضه لقيام دولة فلسطينية وهاجم السلطة الفلسطينية واتهمها بأنها تشترك مع حماس بالعداء لليهود والسامية، داعياً لمفاوضات سلام مع لبنان رابطاً مجدداً أي تنفيذ لموجبات إسرائيلية بقيام الحكومة بنزع سلاح المقاومة، فيما كانت الأزمة السياسية الداخلية بعد قيام رئيس الحكومة نواف سلام بالتدخل بشروط تنظيم إحياء المناسبات عبر إضاءة صخرة الروشة، بهدف التوظيف السياسي ومحاولة الإيحاء بالاستقواء على مناسبة استشهاد السيد حسن نصرالله، بعدما كانت الصخرة قد أضيئت بصور عديدة كان أكثرها إثارة للجدل صورة شارلي ايبدو والعلم الفرنسي، وبعد كلام سلام عن ترك الأمر للقضاء باعتباره ما جرى من جانب منظمي الإحياء مخالفة للقانون، والقصد التعميم الكيدي المتأخر لسلام نفسه، واعتكاف سلام في منزله تم إيجاد مخرج من الوزيرين طارق متري وغسان سلامة بتحويل الاعتكاف إلى تأمل وإنهائه باجتماع وزاريّ، لم يعرف إذا كان ما يليه سوف يكون التصعيد السياسي نحو أزمة، ام طي الصفحة وتركها بين يدي القضاء.
في المنطقة حملت وكالات الأنباء نعياً لمسار التفاوض السوري الإسرائيلي ولو مؤقتاً، بعدما أثارت المطالبة الإسرائيلية بالسيادة على الأجواء السورية قلق تركيا التي اعتبرت ذلك تهديداً للأمن القومي التركي، وبقي احتمال أن يكون التعثر مؤقتاً بانتظار مصير التفاوض حول غزة، وفق معادلة مقايضة الموافقة الإسرائيلية على الحل في غزة مقابل منح “إسرائيل” امتيازات على حساب السيادة السورية؟
في مسار أسطول الصمود الذي أبحر من اليونان صباح أمس، قال الدكتور عزيز غالي طبيب الأسطول، إن الساعات الحاسمة تقترب، وإن الأسطول مصمم على مواصلة رحلته نحو غزة رغم عروض الوساطة لقبول ترك المساعدات في عهدة طرف آخر، لأن المهمة الرئيسية للأسطول هي فك الحصار، ودعا غالي إلى استنفار النشطاء والأحرار في العالم داعياً العرب منهم خصوصاً، للاستعداد لتقديم المساندة لدعم الأسطول والدفاع عنه عبر قيادة تحرّكات في الشوارع العربية أسوة بما يجري التحضير له في الشوارع الأوروبية، مذكراً أن 800 من نشطاء العرب والعالم من 41 دولة يتوزّعون على 60 سفينة وقارباً وزورقاً، يفترض أن يصلوا بين مساء الأحد ومنتصف نهار الاثنين الى سواحل غزة، ما يعني توقع التعرض لهم في هذه الفترة القريبة زمنياً.

ويُحيي لبنان وجماهير المقاومة في لبنان والعالمين العربي والإسلامي الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وثُلّة من الشهداء الذين قضوا في العدوان الإسرائيلي على لبنان العام الماضي.
ووفق معلومات «البناء» سيقيم حزب الله فعاليات ونشاطات متعدّدة وخاصة اليوم تبدأ بوقفة رمزية في مكان عروج السيد نصرالله والسيد هاشم صفي الدين وثم احتفال رسميّ أمام مرقد السيد نصرالله ثم يبدأ عند السادسة والثلث لحظة الاغتيال إضاءة شعلة النار والأضواء وجميع المباني في مناطق متعدّدة في الضاحية والجنوب والبقاع في الوقت نفسه بصور السيد نصرالله وصفي الدين ورفاقهم الشهداء. ويتحدّث في المناسبة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم ومن المتوقع وفق معلومات «البناء» أن تحمل كلمة قاسم رسائل هامة وتشمل مختلف القضايا الأساسية.
كما يزور أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني لبنان في الساعات المقبلة للمشاركة في الذكرى. وقد طلب لاريجاني مواعيد من مسؤولين رسميين.
ومساء أمس، أقيمت في حارة حريك – شارع العامليّة، مكان شهادة سيد شهداء الأمة، السيد حسن نصر الله وقفة وفاء وولاء إحياءً للذكرى السنوية الأولى للأمين العام لحزب الله، وتكريماً لكوكبة من الشهداء الأبرار الذين ارتقوا معه.
وجاءت الوقفة تحت شعار «عند أعتَاب عزيز الروح في ليلة العروج»، تعبيراً عن الوفاء والتقدير للتضحيات الجسام والمسيرة الجهادية التي خاضها الشهيد مع رفاقه الأبرار؛ دفاعاً عن المقاومة والقضية الفلسطينية والحق في مواجهة الاحتلال. وشارك في الفعالية حشد شعبي كبير، مؤكداً استمرار الالتزام بخط المقاومة والثبات على نهج الشهداء، وتجديد العهد في الحفاظ على القيم والمبادئ التي جسّدها السيد الشهيد.
إلى ذلك، وفيما يتمادى رئيس الحكومة نواف سلام بتجاهل إحياء ذكرى استشهاد السيد نصرالله ورفاقه الشهداء والتي تشكل مناسبة وطنية، يواصل سلام حَرَده واعتكافه وعقد الاجتماعات لبحث مخالفة منظمي فعالية الروشة لمضمون القوانين بحسب قوله، حيث أعلن سلام اعتكافه في منزله في قريطم الذي حوّله إلى حج لنواب «الكتائب» و»التغييريين» لدعم موقفه، لكنه ما لبث أن انتقل إلى السراي الحكومية لعقد اجتماعين تشاوريين مع الوزراء دعا إليهما في السراي، الأول عقد عند الثالثة من بعد الظهر وضمّه إلى وزراء العدل والدفاع والداخلية، والثاني اجتماع وزاري طارئ موسّع عُقد عند الرابعة، خُصّصا لبحث تداعيات إضاءة صخرة الروشة.
وأشار نائب رئيس الحكومة طارق متري، بعد الاجتماع الوزراء التشاوري إلى «أننا تداعينا لعقد لقاء وزاري حول رئيس الحكومة نواف سلام تأكيداً لتضامن الحكومة، رئيساً وأعضاء، وللتشديد على السياسة التي التزمت بها في بيانها الوزاري والقائلة ببسط سيادة الدولة اللبنانية بقواها الذاتية على أراضيها كافة».
ولفت إلى «أننا أكدّنا أيضاً أهمية تطبيق القوانين على جميع المواطنين دون استثناء، وهو ما ترتب على الأجهزة الأمنية مسؤولية كبيرة في تحقيق ذلك، فاللبنانيون سواسية أمام القانون والدولة لا تميّز بين مواطن وآخر، ولا بين مجموعة مواطنين وأخرى». وأعلن متري أنّ «ما جرى بالأمس من مخالفة صريحة لمضمون الترخيص المعطى للتجمع في منطقة الروشة، يدعونا لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للحفاظ على هيبة الدولة واحترام قراراتها». وذكر أنّ «الحكومة حريصة على استقرار البلاد ووحدة أبنائها، وقطع دابر الفتنة ووقف حملات الكراهية التي تسيء إلى عيشنا الوطني».
وأفادت مصادر مطلعة لـ»البناء» أنّ الانقسام بين الوزراء في مقاربة القضية هو سيد الموقف، فيما غرّد سلام خارج سرب الكثير من الوزراء من بينهم نائب رئيس الحكومة طارق متري والوزير غسان سلامة، كان وزيرا الدفاع والداخلية المحسوبان على رئيس الجمهورية جوزاف عون على موجة أخرى معاكسة لموجة سلام. فيما جرى البحث وفق معلومات «البناء» بمساعدة بعض الوزراء لإنزال سلام عن الشجرة عبر بيان حكومي تلاه الوزير متري، وتكليف الأجهزة الأمنية التحقيق مع الجمعية التي مُنحت الإذن للتجمع.
وبحسب المعلومات، فإنّ وزير الدفاع دافع عن الجيش اللبناني وقيادته وأكد عدم مسؤوليّة الجيش في ما حصل ولا يمكن أن يكون مكسر عصا لقرارات حكومية وسياسية خاطئة، فيما دافع وزير الداخلية أيضاً عن القوى الأمنية وقيادتها التي قامت بدورها بحفظ الأمن خلال الفعالية على أكمل وجه من دون إشكال ولا «ضربة كفّ».
ورد وزير الدفاع ميشال منسّى بشكل غير مباشر على رئيس الحكومة وعلى منتقدي «تقصير الجيش والأجهزة الأمنية»، فقال في بيان «إنّ المهمة الوطنية الأساسية التي يضطلع بها الجيش اللبناني دائماً هي درء الفتنة ومنع انزلاق الوضع إلى مهاوي التصادم وردع المتطاولين على السلم الأهلي وترسيخ دعائم الوحدة الوطنية». أضاف «لقد بذل الجيش اللبناني الدماء والأرواح والإصابات والإعاقات في سبيل الأرض والعلم والكرامة وشرف الانتماء لهذا الوطن ولم ينتظر شكوراً ولا زهوراً من أحد، لكن كرامة عسكرييه وضباطه الفخورين الجسورين الميامين تأبى نكران الجميل وتأنف التحامل الظالم وتأسف لإلقاء تبعات الشارع على حماة الشرعيّة والتلطي وراء تبريرات صغيرة للتنصّل من المسؤوليات الكبيرة». وختم «إنّ للجيش اللبناني وطناً يصونه ورئيساً يرعاه وقائداً يسهر عليه وشعباً يحبّه ويرى فيه الأمل الباقي بعد الله ولبنان». ووفق المعلومات فإنّ رئيس الجمهوريّة داعم لموقف وزير الدفاع في هذا الخصوص.
كما علمت «البناء» أنّ النائب فؤاد مخزومي زار عين التينة صباح أمس، ونقل رسالة من سلام إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري تتضمّن استيضاحاً حول عدم تطبيق الاتفاق بين سلام وبرّي لتنظيم فعالية الروشة، ولتأكيد موقف سلام الرافض لاستكمال عمله المعتاد قبل معالجة الأمر عبر الأطر القانونية ومحاسبة المخالفين لمضمون التعميم الذي أصدره، كما تنقل وزير الإعلام بول مرقص بين عين التينة والسراي الحكومية لاحتواء الموقف، فيما سعى الرئيس بري لتهدئة الأجواء وإيجاد مخرج لإنهاء الأزمة.
وإذ أشارت مصادر معنية لـ»البناء» إلى أنّ حزب الله عبر النائبين إبراهيم الموسوي وأمين شري لم يتعهّدا لوزير الداخلية بعدم إضاءة الصخرة، أفادت قناة «الجديد»، بأنّ «الجمعية اللبنانية للفنون ـ رسالات التي تقدَّمت بطلب العلم والخبر للقيام بالنشاط في الروشة سيتمّ التحقيق معها في تحويله الى غيرِ المتَّفق عليه». وكشفت المعلومات، أنه «في اجتماع السراي جرى عرض الوقائع التي حصلت في التجمع مع تحديد المسؤوليات على أن تتحمّل القوى الأمنية والقضائية مسؤوليتها في ملاحقة وتوقيف الأشخاص والمنظمين المتورّطين في مخالفة التعميم».
وأشار عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب علي عمار، إلى أنّ «اعتكاف رئيس الحكومة نواف سلام اعتراضاً على ما حصل في الروشة يُعدّ موقفاً سلبياً»، موجّهاً الكلام لسلام بالقول: «أنت رئيس حكومة كلّ لبنان وأنت المسؤول عن سيادة هذا البلد».
ميدانياً، شنّ الطيران الإسرائيلي سلسلة غارات مستهدفاً السلسلة الشرقيّة عند جرد الشعرة والنبي والخريبة. وادّعى المتحدّث باسم جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي، عبر «اكس» أنّ «جيش الدفاع هاجم موقعاً لإنتاج صواريخ دقيقة تابعاً لحزب الله الإرهابيّ في منطقة البقاع بلبنان».
على صعيد آخر، واصل رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون لقاءاته في نيويورك واستقبل قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الأميرال براد كوبر. وعرض معه الأوضاع الأمنية في المنطقة والتطورات الأخيرة في الجنوب، وجدّد مطالبته بـ»دعم الجيش اللبناني ليتمكن من القيام بمهامه في بسط سلطة الدولة على الأراضي اللبنانية كافة حتى الحدود المعترف بها دولياً». كما تطرق البحث الى الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الأراضي اللبنانية وعمل لجنة «mechanism» بهدف وقف الأعمال العدائية. وجدد الأميرال كوبر تأكيده «دعم الجيش وفق البرنامج المعد في هذا الصدد».
الى ذلك، أعلن الوكيل القانوني لحاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، مارك حبقة، في تصريح من مستشفى بحنس، أنّه «تمّ إخلاء سبيل رياض سلامة بناءً على قرار الهيئة الاتهامية في بيروت»، مشدداً على أنّ «رياض سلامة اليوم حرّ». وقال: «نأمل بأن يحاكم رياض سلامة وفق القانون وليس في المحاكم الشعبية». ولفت حبقة إلى أنّ «تسديد الكفالة من سلامة لا يعني الإقرار بأيّ أمر مدعى عليه»، موضحاً أنّ «القاضي جمال الحجار قام بإجراء قانوني بالتحقق من مصدر أموال سلامة وسنثبت مصدرها بالوثائق كافة». وأوضح «أننا سنقوم بملاحقة كل شخص يتعرّض لسرية التحقيق وكلّ من يؤثر على القضاء عبر الشعباوية».
ودعا رئيس مجلس النواب نبيه بري، إلى جلسة عامة تعقد عند الحادية عشرة من قبل ظهر يوم الاثنين الواقع فيه 29 أيلول 2025 وذلك لدرس المشاريع والاقتراحات المدرجة على جدول الأعمال.

المصدر: صحف