الأحد   
   07 09 2025   
   14 ربيع الأول 1447   
   بيروت 02:08

أميركا و”إسرائيل”… والتخلي عن العملاء بعد انتهاء خدماتهم

تُظهر التجارب السياسية والعسكرية الحديثة في المنطقة والعالم أن الإدارات الأميركية المتعاقبة لم تكن يومًا معنية بمصالح الشعوب أو استقرار الدول، بل كل ما يعنيها هو حماية أمن الكيان الإسرائيلي وضمان مصالحها الاستراتيجية، حتى لو تطلّب الأمر التخلّي عن حلفائها وأدواتها في اللحظة الحاسمة.

المشهد الأكثر تعبيرًا عن هذا النهج القائم على الانتهازية والاستغلال كان في أفغانستان، الجميع يذكر مشاهد الفوضى في مطار كابول، حيث حاول عملاء واشنطن التعلّق بالطائرات الأميركية، دون أن تلتفت إليهم تلك الإدارة التي تركتهم لمصيرهم بعدما انتهى دورهم.

الأمر نفسه تكرّر فيما سُمّي بـ”الربيع العربي”، من تونس إلى ليبيا ومصر، مرورًا بالسودان، ووصولا الى اليمن، حيث استُخدمت أدوات محلية لتنفيذ أجندات أميركية، ثم تُركت تتخبّط وسط الفوضى والانهيار. وسبق ذلك الإطاحة بأنظمة وحكّام عاشوا عشرات السنين على دعم واشنطن وخدمة مشاريعها، ومن خلفها خدمة “إسرائيل” ومخطّطاتها في المنطقة. لكن، لم يشفع لهم كل التآمر على شعوبهم ولا على القضية المركزية للأمة، أي القضية الفلسطينية. بل جرى رميهم تحت شعارات “الثورة والحرية والتغيير”، ليفرّوا أو يُقتلوا أو يُحاكموا، من دون أن يقدّم لهم “سيّدهم الأميركي والإسرائيلي” أي حماية.

مع الإشارة هنا إلى أن ثورة “21 سبتمبر” في اليمن هي ثورة أسقطت الوصاية الأميركية والإقليمية على البلاد، وأطاحت بنظام فاسد تابع، ومكّنت الشعب من إيصال صوته الحقيقي إلى السلطة، بعد سنوات عجاف في مواجهة المؤامرات الخارجية. وخير دليل على ذلك هو بدء العدوان الخارجي على اليمن بمجرد الإطاحة بالنظام السابق. وما يؤكد صوابية الخيارات اليمنية هو التأييد التام للقضية الفلسطينية ومساندة قطاع غزة منذ تشرين الأول/أكتوبر وحتى اليوم، من خلال استهداف عمق كيان العدو الإسرائيلي، ومنع الملاحة إلى موانئه عبر البحر الأحمر، واستهداف السفن المتجهة إليه.

ولا يختلف مشهد “التلاعب الأميركي” كثيرًا في العراق، حين لعبت السفيرة الأميركية السابقة في بغداد، أبريل غلاسبي، دورًا “غير مباشر” في دفع نظام صدام حسين إلى اجتياح الكويت، فقط لتُستعمل هذه الخطوة لاحقًا ذريعة لاحتلال العراق، ومن ثم تثبيت الوجود الأميركي في المنطقة لعقود.

أما الكيان الإسرائيلي، الحليف الأقرب لواشنطن، فلا يقلّ انتهازية عنها. إذ تخلّى بدوره عمّا كان يُعرف بـ”جيش العميل أنطوان لحد”، خلال انسحابه المُذل من جنوب لبنان في أيار/مايو عام 2000، تحت ضربات المقاومة الإسلامية. يومها، أطلقت قوات العدو الصهيوني النار على عملائها ومنعتهم من دخول الأراضي المحتلة، بينما من استطاع الفرار إلى داخل فلسطين المحتلة عاش ويعيش ظروفًا قاسية ومذلّة، ويُعامَل كمجرّد أداة استُخدمت، ثم رُميت في مزابل التاريخ.

وبالسياق، قال أمين سرّ “لقاء مستقلون من أجل لبنان” رافي ماديان “مما لا شك فيه أنّ تاريخ الإمبريالية الأميركية، أو ما يُسمّى بالاستعمار الأميركي في بلدان الجنوب، هو تاريخ عريق في التدخلات ودعم وتمويل الانقلابات العسكرية، لا سيّما في أميركا اللاتينية وأفريقيا، وفي عدد من البلدان العربية وآسيا”، وأضاف “هذه سياسة معروفة شهدناها في مراحل سابقة، من خلال تدخلات عسكرية في دول أميركا اللاتينية، ثم التخلي عن حلفاء واشنطن فيها”.

وفي حديث خاص لموقع قناة المنار، أشار ماديان إلى أن “ما حصل مع الرئيس باتيستا في كوبا، حينما تخلّت عنه الإدارة الأميركية عام 1959 أمام انتفاضة الثوار الكوبيين بقيادة فيدل كاسترو وتشي غيفارا، بعد أن كانت هافانا بمثابة كازينو سياحي للأثرياء القادمين من ميامي، هو نموذج لهذه السياسة”، وتابع “كذلك تخلّت واشنطن عن الديكتاتور النيكاراغوي أنستازيو سوموزا عام 1979، أمام هجوم جبهة التحرير الوطني الساندينية، التي نجحت في قلب النظام في العاصمة ماناغوا”.

وأضاف ماديان “الأمر نفسه تكرّر مع حكومة سايغون في فيتنام الجنوبية، أمام هجوم الثوار الفيتكونغ وحركة التحرر الوطني الفيتنامية، التي طردت الأميركيين. وقد شاهد العالم للمرة الأولى مسؤولي سايغون الموالين لأميركا وهم يتشبثون بطائراتها المروحية وهي تغادر العاصمة سايغون عام 1975″، وتابع “كما تخلّت واشنطن عن شاه إيران عام 1979، بعدما كانت قد خططت لانقلاب 1953 ضد حكومة محمد مصدق وأعادته إلى السلطة، ولكن أمام تصاعد الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة الإمام الخميني، تخلّت عنه ولم تدافع عنه”.

وفي السياق اللبناني، قال ماديان “بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، ساهم أرييل شارون وجيش الاحتلال الإسرائيلي في إيصال بشير الجميّل إلى الحكم، ثم خلفه أمين الجميّل، ومع تبدّل موازين القوى محليًا وإقليميًا، ورفض غالبية القوى السياسية والمكونات اللبنانية الوطنية لاتفاق 17 أيار/مايو، تخلّت إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريغن عن الجميّل، وتزامن ذلك مع اندلاع انتفاضة 6 شباط/فبراير 1984، التي قادتها القوى والأحزاب الوطنية المدعومة من سوريا، تحت لواء جبهة الخلاص الوطني برئاسة الرئيس الأسبق سليمان فرنجية”.

وأشار ماديان إلى أن “هذه الانتفاضة أدّت إلى انقسام السلطة والحكومة، وانقسام الجيش اللبناني وخروج العسكريين المسلمين منه، فتركت الإدارة الأميركية حليفها يتهاوى، بل ساهمت مع الاحتلال الإسرائيلي في التمهيد لتهجير المسيحيين من الجبل وعاليه والشوف وشرق صيدا، عبر المخابرات العسكرية الإسرائيلية التي خططت للمجازر الطائفية، تمهيدًا لتقسيم لبنان إلى كانتونات مذهبية وطائفية”.

وأضاف ماديان “هكذا تخلّت واشنطن عن المسيحيين، كما تخلّت عن أمين الجميّل، تمامًا كما تخلّت عن سوموزا في نيكاراغوا، وعن نورييغا في بنما، وعن معظم الأنظمة التي تحالفت معها في أميركا اللاتينية وأفريقيا”، وتابع “كذلك تخلّت الإدارة الأميركية عن نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا (بريتوريا) عام 1990، وعن نظام نوري السعيد في العراق — أحد أعمدة حلف بغداد — والذي أطاحت به ثورة عبد الكريم قاسم عام 1958. وفي السودان، تخلّت عن جعفر النميري عامي 1985 و1986”.

وأكد ماديان أن “سياسة الولايات المتحدة تقوم على استخدام الأنظمة والحكومات في العالم الثالث، ثم التخلي عنها متى انتفت الحاجة إليها”، وتوقّع أن “تتخلى واشنطن عن حكومة نواف سلام في المرحلة المقبلة”، معتبرًا أن “البنتاغون قد يقنع الإدارة الأميركية بالتخلي عن الحكومة، خصوصًا بعد أن عجزت عن تنفيذ الخطط الأميركية المتعلقة بشعار حصرية السلاح ونزع سلاح المقاومة”، ورأى ماديان أن “نواف سلام لن يتمكن من العودة إلى رئاسة الحكومة بعد الانتخابات المقبلة، بسبب هذا الفشل”.

من جهة ثانية، لفت ماديان إلى “الانسحاب الأميركي عام 2021 من العاصمة الأفغانية كابل، حين تركت القوات الأميركية عملاءها المحليين الذين تعاونوا معها طوال عشرين عامًا”، وقال “عندما انسحبت تلك القوات عبر طائراتها من كابل، كان بعض هؤلاء العملاء يتشبثون بعجلات الطائرات وهي تقلع. فلا ننسى أنهم تخلّوا عن الحكومة المحلية الموالية لهم، وعن الرئيس أشرف غني، وعن جميع القوى السياسية والإدارية التي تعاونت معهم”، وأضاف: “واشنطن فعلت الأمر نفسه في العراق، فحكومة بول بريمر التي شكّلوها بعد عام 2005، اضطروا أيضًا إلى التخلي عنها، وانسحبوا من العراق تحت ضربات المقاومة وصمود الشعب العراقي”.

ويبقى أن على كل من تُسوّل له نفسه، أو يظنّ أن الأميركي أو الإسرائيلي قادر على حمايته في مواجهة شعبه وأهله، أن يعلم أنه واهم ومخطئ. فلا أحد يمكنه أن يواجه الشعب، مصدر السلطات والقوة والمشروعية.

وبالتالي، على جميع المسؤولين أن يدركوا أن الناس هم الحُرّاس الحقيقيون. وبدل تسليم البلاد ومستقبلها للأجنبي المتآمر، وللعدو المتغطرس، يجب على كل مسؤول أن ينفّذ مصلحة لبنان، ويعمل على تسليمه قويًّا، قادرًا، ومقتدرًا للأجيال القادمة.

المصدر: موقع المنار